المصارف ومحاسبو الإدارات مقصرون.. المقترضون في خانة الدفع دون ذنب!!

 

غير مرة يقع المواطن والموظف ذو الدخل المحدود على وجه الخصوص في الحلقة الأضعف، رغم التزامه وإلزامه بتنفيذ القوانين المعتمدة في عمله كونها تستوجب عقوبات متعدّدة الأطياف. ورغم هذا الالتزام لم ينجُ من غبن طال عدداً من مقترضي المصارف العامة بقروض من التسليف والتوفير نتيجة مطالباتهم بتسديد أقساط قروض “لم تسدّد” – بحسب الجهة المعنية – وتعود لعشر سنوات خلت محملة بغراماتها التأخيرية التي نمت في الظل بشكل يفوق دخلهم الشهري!.

إحدى المطالبات العائدة لوزارة الثقافة تقضي بضرورة تسديد مقترضيها أقساطاً متأخرة تعود لقروض في عام 2010 مع غرامات تأخيرية توازي أضعاف القسط، ومثلها لعدد من الوزارات والجهات العامة، وهنا لابد من التنويه بأن تلك القروض تُمنح بموجب تعهد محاسب الإدارة باقتطاع أقساط منتظمة من الرواتب قبل استلامها، وبالتالي كيف يتمّ تحميل الموظف أقساطاً متأخرة ليس له يد بتأخرها كونها عن طريق المحاسب، ومن جهة أخرى هل يعقل أن المصارف انتظرت عشر سنوات لتحصيل أقساطها المتأخرة والتي يجب أن تكون من أولى مهامها؟ إذ تستيقظ من غفلتها لتقوم بمطالبة آلاف المقترضين بمبالغ تضخمت بفعل الزمن والتقصير من كوادرها وتحصله من جيوب الموظف المتهالكة؟!.

تغير ديموغرافي

يبدو أن المصرف حالياً لم يعد باستطاعته متابعة هؤلاء المقترضين بسبب ما نتج من تغيّر في أماكن السكن والعمل خلال الأزمة – بحسب محاسبي المصارف – ولاسيما أن هناك أعداداً كبيرة جداً ممن اقترضوا عن طريق التسليف أو التوفير، بالمقابل هناك فروع عدة لم تعد موجودة وتغيّر مكانها في محافظات عدة (منها الرقة – إدلب – دير الزور)، إضافة لبعض الفروع في محافظة ريف دمشق، وهذه إشكالية معقدة تتطلّب تفعيل عمل الفروع والتواصل مع تلك الجهات لتحصيل حقوق المصرف المالية.

على مسار موازٍ يوجد حالات كثيرة يتمّ حسم الأقساط من المحاسبين، ولكن التحويلات المالية لم تصل إلى الفرع المعنيّ، وبالتالي تبقى تلك التحويلات المالية عالقة في مسارها، تقابلها ديون غير مسدّدة في المصرف بغض النظر عن اقتطاعها من المقترض أم لا!.

وفي هذا السياق، يبيّن معاون مدير عام مصرف التسليف الشعبي عدنان حسن أن المتابعة تبدأ من المؤسسة المعنية كونها تقوم بالاقتطاع بموجب قرار القرض وتحويلها إلى الجهة المعنية بموجب تحويلات أو إشعارات رسمية، وفي حال حدوث أي خلل أو فقدان الملفات الورقية يتمّ مطابقتها مع البيانات الإلكترونية وهي بلا شك موجودة كاملةً.

منفذة وعالقة

حسن شدّد على أن المصرف لا يرسل مطالبات بأقساط القروض، وإنما تتمّ من خلال تنفيذ تعهدات الحسم المناطة بمحاسبي الإدارة بالاقتطاع ثم التحويل إلى حساب المصرف شهرياً، ولكن نتيجة الأحداث الحاصلة وتوقف العمل بالمصارف لم يتسنَ لها إتمام عملية التحويل إلى المصرف العام، وبهذه الحالة فإن عملية التحويل بالنسبة إلى محاسبي الإدارة تمّت إلا أنها بقيت معلقة في الفرع المعنيّ ولم تنفذ، بالتوازي مع ملفات كثيرة تعرّضت للحريق أو الضياع في تلك الأثناء، وبهذه الحالة يجب على المقترضين مراجعة محاسبي إدارتهم لحثهم على متابعة التحويل مع الجهة المعنية بموجب الإشعارات التي بحوزتهم، وعدم الاستسهال بتحميل الموظف الأقساط مرة أخرى.

لاشك أن الإشكالية الأهم هي التحويل المالي بين الفرع المانح للقرض والإدارة العامة للمصرف، وليست من مسؤولية المقترضين، إنما تستوجب متابعة وتدقيقاً بين الطرفين من جهة، وبين المؤسسة المعنية من جهة أخرى، من خلال محاسبيها كونهم الجهة الوحيدة المالكة لوثائق التحويلات في هذه الحالة ويجب عليهم مراجعة مسار التحويلات التي نفذوها، ولاسيما أن المطالبة تبقى قائمة لدى الإدارة كون المبلغ لم يسدّد.

لا ينفذوه

المطالبة بعد عشر سنوات رتّبت على المقترض قيمة الأقساط غير المحولة، يضاف إليها غرامات تأخير ضاعفت من المبلغ لأكثر من عشرة أضعاف، فمثلاً كفيل أحد المقترضين تمّت مطالبته بمبلغ يفوق الـ50 ألف ليرة وهو عبارة عن قسط متأخر لمدة ثلاثة أشهر بقيمة ستة آلاف ليرة للقسط الواحد محملاً بغرامات 11 سنة تأخير، رغم أن المقترض قام بتسديد كامل المبلغ كونه لا زال على رأس عمله، وعادة يتمّ اقتطاع أقساطه المترتبة عليه مباشرة من راتبه، في حين يجب أن تكون المعالجة بين المصرف والمؤسسة المعنية.

رغم متابعة ملفات الأقساط المتأخرة مع كافة الجهات، إلا أن عشر سنوات تشي بوجود بطء وتقصير من المصرف، وهو ما أكده حسن معللاً ذلك بنقص الكادر العامل حيناً، وتغيّر مواقع هذه المؤسسات أو عناوين كوادرها أو تغيّر وظائفهم حيناً آخر، وعلى الرغم من تعدّد الأسباب يتمّ إرسال قرارات حجز لكثير من محاسبي الإدارة، إلا أن محاسب الإدارة لا ينفذ لعدة اعتبارات منها قد يكون 40% راتب الكفيل أو المقترض مشغول بقرض شخصي ولا يجوز حسم أكثر من تلك النسبة قانونياً فيبقى قرار الحجز غير منفذ، والأقساط والغرامات تتراكم على المقترض لحين إتاحة تنفيذ القرار.

ضاعت الطاسة!

هناك إشكالية أخرى أضاء عليها معاون المدير تتمثّل بوجود الكثير من التحويلات المالية في فرع المصرف عائدة لعدة جهات، ولكن من دون قوائم اسمية تبيّن أسماء المسدّدين لها، نتيجة ضياع البيانات الورقية من جهة، أو نتيجة تغيّر المحاسبين أو اختلاس المال العام، وهنا تحول الكتل المالية إلى المصرف ولكنها تبقى مجمدة كون المصرف لا يستطيع إبراء ذمم المقترضين دون إثبات هويتهم، بالمقابل ونتيجة لعدم التسديد ترتفع كتلة الديون فيه، وهذه الإشكالية لا تحلّ بمجهود من جهة واحدة وإنما بتكاتف وتعاون الجهات كافة ولاسيما الجهة الرئيسية التي حسمت وحوّلت الكتلة المالية، وذلك بتدقيق كشوفهم ومتابعة أوضاع عامليهم لمن تمّ اقتطاع أقساطه منه.

قرارات جريئة

يبدو أن الكثير من كوادر الجهات لا ترغب بالعمل الجاد كونه يتطلّب متابعة مسار التحويل والإشعار والمقارنة مع كشوفات الحسابات المالية التابعة للمصرف، وفي حال عدم وصول إشعار يطلب إصدار إشعار طبق الأصل، وبالنسبة إلى القوائم الاسمية تقوم الجهة بإصدار قوائم جديدة تستند إلى بيانات إلكترونية لا يشوبها أي خلل، أما في حال غياب البيانات الورقية وعدم وجود بيانات إلكترونية تستوجب الحالات قرارات إدارية جريئة تتحملها الجهة عن طريق الوزارة المعنية، بعد تشكيل لجان متابعة ومساندة اللجان الرقابية لكشف الغموض الذي يشوبها ولاسيما أن المبالغ غير المحولة أرقام كبيرة.

شارك