هل تنجح البنوك في توسيع قاعدة المدفوعات الرقمية لتشمل الأسواق بعد رسوم الخدمات الحكومية؟

أطلق عدد من البنوك العاملة في سورية خدمات إلكترونية ورقمية متنوعة، تجاوباً مع توجيهات مصرف سورية المركزي لتعزيز الدفع الإلكتروني، وتماشياً مع توجهات التحول الذكي في سورية، ونشاط التجارة الإلكترونية المتزايد.

ويساهم توجه البنوك للخدمات الإلكترونية في تعزيز الاستقرار المالي للدولة، خصوصاً في حال شيوع عمليات الدفع الإلكتروني والسداد عبر نقاط البيع، وما يضيفه ذلك من السيولة المصرفية المدورة، وتحجيم للتهرب الضريبي، وكبح للسوق الموازية التي يشكل عملها ما بين 30% إلى 60% من إجمالي الاقتصاد وفقاً لبيانات عالمية، فضلاً عن دورها لجهة تسهيل الخدمات للمتعاملين، وقيام البنوك السورية بدور مصرفي حقيقي، وعدم إبقائها خزنة لحفظ الأموال وتنفيذ التوجيهات في تحديد قيم سحب المودعين لأموالهم.

نقاط البيع

وعلى الرغم من أن الخطوة لا تزال في بدايتها، ومن ظهور أصوات لتجار يمانعون التعامل مع أجهزة نقاط البيع، فقد أطلق بنك الشام أخيراً خدمة الدفع عبر أجهزة نقاط البيع التي تتيح لحاملي البطاقات المصرفية الصادرة عنه تسديد ثمن مشترياتهم إلكترونياً دون الحاجة إلى الدفع النقدي.

كما أعلن بنك سورية الدولي الإسلامي عن تمكين عملائه من دفع ثمن مشترياتهم عبر بطاقتهم المصرفية، وكذلك بنك بيمو السعودي الفرنسي الذي أتاح لعملائه سداد قيمة مشترياتهم عبر العديد من الوسائل التقنية.

ممانعة

وأبدى عدد من التجار ممانعتهم لهذا النوع من طرق السداد واضعين العديد من المعوقات “الوهمية” – إن صح التعبير – في طريق انتشار العملية المدرجة أساساً في غالبية دول العالم.

وفي هذا الخصوص، أكد عدد من الخبراء الاقتصاديين أن مزايا استخدام أجهزة الدفع الإلكتروني (نقاط البيع) عديدة ومتنوعة، واصفين ممانعة التجار بالتهرب، وأنها تظهر ميزة إضافية جديدة للدفع عبر نقاط البيع، وهو عدم إمكانية رفع الأسعار من قبل التجار، فضلاً عن الحد من التهرب الضريبي، لوجود بيانات كاملة عن حجم البيع، وهو ما يقض مضجع التجار الممانعين، على حد وصفهم.

وأوضح الخبراء، أن مخاوف التجار لا أساس لها من الصحة، من حيث تحويل الأموال إلى حسابات أخرى، مبينين أن أجهزة نقاط البيع يتم برمجتها على رقم حساب معين، ومن ثم تتم العمليات كاملة عبر البطاقات المصرفية للزبائن، كما تحتفظ الأجهزة ببيانات كاملة عن العمليات، وتصدر ورقتين صغيرتين، إحداهما خاصة بالزبون وأخرى بالتاجر، تبينان إتمام عملية السداد ووقته وقيمته ورقم المعاملة، وبالتالي فإن أي خطأ قد يحصل يتحمل مسؤوليته البنك المعني بالتحويل.

وأكد الاقتصاديون أن انتشار عمليات الدفع عبر نقاط البيع ينظم الأسواق، ويعزز دخول الأموال في الاقتصاد الوطني، ويحد التهرب الضريبي، خصوصاً فيما يسمى بالسوق الموازية، غير معروفة الدخل أو العمل، مشيرين إلى أن الخطوة لا تزال في بدايتها، حيث يوزع كل مصرف جهازا خاصا به لنقاط البيع، بينما سيتم في المستقبل وجود جهاز واحد قادر على قراءة مختلف البطاقات المصرفية، والتعامل معها، فضلاً عن تحديد مراكز خاصة وافقت على العمل عبر أجهزة نقاط البيع، والتي لا تحقق الانتشار المطلوب، داعين إلى إلزام التجار بأجهزة نقاط البيع.

واعتبر الاقتصاديون أن توجه السوق إلى التعامل مع أجهزة نقاط البيع سيترك التجار الممانعين منبوذين بفعل توجه المستهلكين، ما سيضطرهم إلى اللحاق بغيرهم أو البقاء خارج السوق.

ووفقا لبيانات صادرة عن المصارف، فإن إطلاق الخطوة في الوقت الحالي يأتي لدعم الآليات المتخذة من مصرف سورية المركزي لتطبيق خدمات الدفع الإلكتروني وتوسيعها، وتشجيع المواطنين على استخدام الأدوات الإلكترونية.

وأكدت المصارف على أن الخطوة أكثر أماناً ومصداقية، وتوفر على المستخدمين حمل مبالغ كبيرة للتسوق، أو دفع بدل الخدمات، وتحمي التجار من مخاطر نقل المبالغ المالية الكبيرة لعملهم اليومي، حيث توفر خدمة نقاط البيع استلام وتحويل قيمة الفواتير (المقبوضات) بشكل تلقائي إلى حساباتهم المصرفية، الأمر الذي يلغي مخاطر نقل الأموال من وإلى المصرف، أو مخاطر الاحتفاظ بها في المحلات أو المنازل، أو تلفها أو استلام نقود مزورة؛ وتبقى هذه السيولة ضمن النشاط الاقتصادي، الأمر الذي يعود بالفائدة على المواطن المشتري والتاجر والقطاع المصرفي والاقتصاد الوطني على حدٍ سواء.

وتساهم الخدمة في تحقيق معدل أعلى لتدوير النقد، وتعزيز السيولة المصرفية، الأمر الذي له أثره البالغ في تصحيح سعر الصرف، وحماية الاقتصاد الوطني، وفقاً لخبراء في القطاع المالي.

وتعمل البنوك، التي أطلقت خدمتها اليوم، على توفير أجهزة نقاط البيع، وتوسيع انتشارها في مراكز التسوق و”السوبر ماركت”، والمناطق السياحية مثل الفنادق، فضلاً عن المستشفيات ومراكز الخدمات ومحطات الوقود وغيرها، لتحقيق الانتشار المطلوب الذي يزيد من فاعلية الخدمة وشموليتها.

خدمات متنوعة

وعملت البنوك السورية، التي يمكن وصفها بأنها أول المستجيبين للتوجه الرقمي، على إطلاق العديد من الخدمات في الأشهر الأخيرة، والتي تشتمل في غالبيتها على خدمات الحساب الرقمي، والدفع الإلكتروني لمختلف الجهات، حيث عرض بنك الشام لمجموعة من الحلول المصرفية الرقمية مثل منصة Cham Online، وخدمة Cham Mobile، وخدمة تحويل الأموال بتقنية “الكيو آر” QR-Code، فضلا عن خدمة تسديد فواتير الهاتف الخلوي، وخدمات الدفع الالكتروني، وإمكانية الشراء عن طريق بطاقة الصراف الآلي.

وأطلق بنك بيمو السعودي الفرنسي الحساب الرقمي التي يُمكن من خلالها الحصول على حساب مجاني وخاص بعمليات الدفع والحوالات عبر الموقع الإلكتروني للبنك، من خلال من أي جهاز موبايل أو كمبيوتر.

ويُتيح الحساب الرقمي إمكانية القيام بعمليات الدفع الإلكتروني لعدد من الخدمات مثل دفع فواتير الكهرباء والمياه والهاتف الأرضي والموبايل والأنترنت وخدمة الدفع عن طريق مسح رمز “الكيو آر”، وتسديد أقساط المؤسسات التعليمية، ورسوم معاملات مراكز خدمة المواطن، ورسوم ترسيم المركبات ومخالفاتها وغيرها.

كما يمكن للمتعاملين تعبئة طلب فتح الحساب الرقمي، دون الحاجة لزيارة أي فرع من فروع البنك، حيث يوفر هذا الحساب الوقت والجهد وهو يتناسب مع عملية التطور والتحول الرقمي في سورية..

السورية للمدفوعات

وكانت الشركة السورية للمدفوعات الإلكترونية قد أعلنت عن إنجاز الخطوة الأولى من المشروع، وأطلقت خدمات منظومتها في الشهر الرابع من العام 2020، كمرحلة أولى، لخدمة الدفع الإلكتروني لفواتير الهاتف الثابت والكهرباء بدمشق وريفها، ورسوم خدمات مديريات النقل بالمحافظات عبر القنوات المصرفية للمصرف التجاري السوري، والمصرف العقاري، وكل من بنك بيمو السعودي الفرنسي، وبنك الشام، وبنك البركة، وبنك سورية الدولي الإسلامي.

وحققت الخدمة شمولية أوسع في الفترة الأخيرة من خلال انضمام عدد من الجهات إلى منظومة الدفع الإلكتروني، وتمكين المتعاملين من سداد رسومها عبر الوسائل الإلكترونية، ومن بينها مراكز خدمة المواطن، وبوابة الخدمات الإلكترونية، والمؤسسة العامة لمياه الشرب، ومحافظة دمشق، وزارة الداخلية، وشركة الكهرباء، ووزارة التعليم العالي، ووزارة المالية، وغيرها.

توجه عام

ويساهم توجه البنوك لإتاحة الخدمات الإلكترونية بشكل عام، وخدمات الدفع الإلكتروني بشكل خاص، وإتاحة البنية التحتية التي تمكن الجهات الراغبة في إطلاق خدمة الدفع الإلكتروني، في توسيع قاعدة الخدمات المقدمة، حيث تضم تطبيقات الحكومة الإلكترونية اليوم نحو 47 خدمة تقدم للمواطنين في أماكنهم، باستخدام الموقع الإلكتروني الخاص بالحكومة الإلكترونية، والتي يتم سداد رسومها من خلال إدخال بيانات البطاقات المصرفية.

آمنة

وتؤكد الجهات المصرفية، والجهات الحكومية المعنية بترخيص خدمات الدفع الإلكتروني، أن الخدمات تتسم بمعايير عالية من الأمان والموثوقية، مشيرة إلى أن تأخير إطلاق بعض الخدمات، على الرغم من جاهزية البنية التكنولوجية والتقنية لإطلاقها، يعزى عادة للتأكد من إغلاق الثغرات الأمنية، وتقديمها بكامل الموثوقية للجمهور.

وتوفر الخدمات الإلكترونية – والتي ترتبط أساساً بخدمات الدفع الإلكتروني، حيث يمكن للمتعاملين سداد رسوم الخدمة في الجهات المعنية – الكثير من الجهد والوقت والنفقات، حيث يمكن تقديمها من أي مكان، وعلى مدار الساعة، ومن دون الاضطرار لاستخدام المواصلات، والبحث عن المواقف، وإضاعة الوقت في الطوابير وغيرها.

التحول الرقمي

وكانت وزارة الاتصالات والتقانة حددت العام 2030 بوصفه عاماً للتحول الرقمي في سورية، والذي من المقرر الإعلان خلاله عن استكمال عملية التحول التي ستتم عبر مراحل متتابعة.

كما أعلنت الوزارة عن نيتها استكمال الخدمات الحكومية الإلكترونية نهاية العام المقبل، 2022، واضعة خطة طموحة تستند على بنية تحتية تصفها الوزارة بالجيدة لخدمات الاتصالات.

وتعتبر مواكبة عمليات التحول الرقمي اليوم ضرورة فعلية في ظل التوجه الدولي للتحول الرقمي، والذي لم يعد بالإمكان تجاهله.

البعث

شارك