فوضى الأسواق تفضح “كهولة” التعاطي.. خبير: مراقبة إجازات الاستيراد مفتاح لضبط الأسعار

يبدو أن أي حديث جديد عن ضبط الأسواق بعد عشر سنوات من التجارب الفاشلة ليس سوى ضرب من الخيال، ولاسيما في ظل الاعتماد على الأدوات والأساليب ذاتها التي تندرج في خانة جلسات الصفا بين الحكومة وقطاع الأعمال، يتبعها مزاد طلبات بين الطرفين، ثم اتهام كل طرف للآخر بالتسبّب بالغلاء والعرقلة، ليتمّ بعدها التهديد بعصا الضابطة التموينية، التي -وإن افترضنا نزاهة كل مراقبيها- فهي عاجزة عن تغطية حتى عشرة بالمئة من الأسواق، ليردّ بعدها التجار بحزمة واسعة من المعوقات والحجج التي رفعوا أسعارهم بسببها!.

بمعية التجار

هي الدوامة ذاتها نجدها تتكرّر عند كل متغيّر جديد، تستمر لفترة بين الأخذ والردّ، لتخمد في النهاية أمام واقع تفرضه الأسعار المتغيّرة في اتجاه واحد صعوداً، ويتحمّل المواطن تبعات كل الأزمات العالمية، مضافاً إليها التخبط والعجز المحلي، الذي دائماً ما “يزيد الطين بلة”، فأزمة أوكرانيا التي أثقلت بأعبائها الاقتصادية جميع دول العالم، حلّت على السوق السورية بأضعاف تأثيراتها العالمية “بمعيّة” احتكار التجار واستثمارهم كل فرصة تجني لهم أرباحاً خيالية.

تناغم 

وكما العادة، لم تفلح الإجراءات الروتينية المعتادة بكبح جماح الأسعار التي سجّلت أرقاماً قياسية وسط ارتفاعات ساعية وليست فقط يومية، ورغم محاولات خجولة للتطمين بأن الأسعار ستستقر ولن يكون هناك المزيد من الارتفاع خلال شهر رمضان، إلا أن واقع الفوضى يوحي بأن القادم أسوأ، ولاسيما مع الموقف الخجول للرقابة التموينية ومديرية الأسعار، والتي فضّل الخبير الاقتصادي عامر شهدا ألا يحمّلها بمفردها مسؤولية ضبط الأسعار، الذي لن يتمّ إلا بتناغم بين وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ومصرف سورية المركزي ووزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

متابعة النقد لا البضاعة

شهدا اعتبر في تصريح لـ”البعث” أن المركزية في تحديد الأسعار تكون عبر مراقبة إجازات الاستيراد ومراقبة الدولار في التمويلات، فمن غير المعقول ألا توجد قواعد بيانات تحدّد كم إجازة مُنحت في الشهر ومن أصحابها والكميات المستوردة عبرها ليتمّ متابعة مصيرها، وإلا فكيف تتخذ قرارات اللجنة الاقتصادية، وكيف يتابع المصرف المركزي حركة القطع؟!.

واستغرب شهدا أن تكون المساءلة عن مصادر أموال الاستيراد على حساب السؤال عن مصير البضائع، ما يتيح المجال للاحتكار، فمن يستورد شحنة زيت مثلاً دون أن يسأله أحد عن مصيرها يأخذ حريته بالاحتكار والتهريب، علماً أن المركزي يموّله بالدولار الرسمي، فلماذا لا يتمّ إعلام وزارة التجارة الداخلية بما تمّ استيراده لتتابع بدورها كيفية تصرف المستورد بالبضاعة، وبذلك تكبح الاحتكار؟.

فضفضة وزير..!

وكان وزير التجارة الداخلية عمرو سالم قد نشر على صفحته الشخصية على “فيسبوك” توضيحاً لما يحدث في الأسواق من احتكار، حيث ورد في منشوره: “يقوم المستورد باستيراد مادة من المواد في بداية العام مثلاً بسعر معيّن، وتقوم وزارة التجارة الداخليّة وحماية المستهلك بتسعير تلك المادّة بناءً على الكلفة الحقيقيّة وإعطاء هامش ربح قانوني، لكن تبدأ المشكلة عندما يرتفع سعر أو أجور المادّة نفسها، فيقوم التاجر برفع سعر البضاعة المستوردة سابقاً، رغم أنه اشتراها بالسعر قبل الارتفاع، ويتحجّج بأن رأسمال التاجر هو بضاعته، وأنّ عدم رفعه لسعره سوف يضعف قدرته على تعويض تلك البضاعة، لكنه يتجاهل أنه قد باع جزءاً كبيراً من تلك البضاعة قبل ارتفاع الأسعار العالمي، وعندما تقوم دوريّات التجارة الداخليّة وحماية المستهلك بفرض الأسعار يقوم أولئك التجار بإخفاء المادّة وتخزينها في مخازن نائية وحتى في منازل وغيرها، ثم يقولون، إذا أردتم توفر المادة في الأسواق يجب أن تتغاضوا عن ارتفاع الأسعار”.

جهد ضائع

وفيما دعا سالم المواطنين للشكوى مهدّداً المحتكرين بالعقوبات القاسية، رأى شهدا أن مجهود وزارة التجارة الداخلية يضيع ضمن حلقة مفرغة، طالما لا يتمّ التنسيق بالكميات المستوردة، ومعرفة الحاجة الفعلية لكل نوع من المواد الغذائية، فلا يوجد اليوم قواعد بيانات تمكن وزارة التجارة من التدخل الإيجابي للتأثير على الأسواق.

ليّ ذراع الحكومة

واعتبر شهدا أن التظاهر بالدور الأبوي في تمويل الاستيراد دون وجود إمكانية فعلية لتطبيقه على كامل المستوردات يعرّض السوق لاختناقات، ويشجّع الاحتكار، ويزيد من رداءة معيشة المواطن، متسائلاً: أين هي سيناريوهات التعامل مع الأزمة التي أعلنتها الحكومة، ولماذا سمحت للتجار “أن يمسكوا يدها التي توجعها”، ويتمادوا في مطالبهم منها؟، فإن بقي الوضع على حاله ستستمر الأسعار بارتفاعاتها الجنونية دون أي رادع.

البعث

شارك