متى تنتعش مهن إعادة الإعمار؟ … اتحاد الحرفيين: المهن الخدمية واصلت انتعاشها رغم الحصار الاقتصادي

جرت العادة في المجتمعات التي تتعرض لحروب وظروفِ اقتصاديةِ صعبة أن تنقرض بعض المهن والحرف نتيجة لأسباب عدّة؛ مثل ضعف القوّة الشرائية وصعوبة تأمين المواد الأولية الدّاخلة في خط الإنتاج، وما إلى ذلك من صعوبات تؤدي إلى اندثارها، ولكن في الوقت ذاته تطفو بعض المهن الأخرى على سطح الواقع وتنتعش لمسبباتٍ مختلفة فرضتها الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي آلت إليها هذه الحروب.

الحرف الخدمية أكثر انتعاشاً

وعلى المستوى الداخلي، يعتبر رئيس الاتحاد العام للحرفيين ناجي حضوة أن الحرف التي انتعشت هي تلك التي تقدّم خدمات يحتاجها المواطنون في الظروف الحالية والتي تلبّي إمكانيّاتهم الماديّة، منها الحرف الخدميّة كميكانيك السيّارات والحلاقة وتزيين السيّدات وما شابه، كونها حاجة يوميّة لا يمكن الاستغناء عنها علماً أنها تأثرت بكافة أنواع الضغوطات والحصار الاقتصادي، إضافة إلى الحرف الإنتاجية ذات الطابع الاقتصادي مثل الموبيليا والمعادن وحرف الحلويات والخراطة التي ما تزال موجودة وتنتج الكثير من السلع كبدائل للمستوردات.

وتابع: «كذلك الأمر بالنسبة للحرف التي تنتج القطع اللازمة لعمل كافة المنشآت الجديدة الحرفيّة منها والصناعيّة، مثل تصنيع خطوط إنتاج المعامل والأفران، وتصنيع مستلزمات الآلات الزراعية».

وفي السياق نفسه، أشار حضوة إلى أن الحرف المتعلقة بالمشغولات الذهبية والفضية انتعشت أيضاً بشكلٍ كبير كونها ذات طابع اقتصادي، ولها زبائنها من المواطنين الذين يحتاجونها في مناسباتهم، مؤكداً أن الورش المتخصصة في هذه المشغولات ظلت موجودة خلال فترة الأزمة ولم تغادر، وكان لها الأثر الإيجابي في توفير سلعها، مبيناً وجود محاولات حاليّة لإصدار تشريعات جديدة تسهم في إنعاش هذه الحرف أكثر.

أما القسم الأخير فهو الحرف التراثيّة التقليديّة التي يتم تصدير منتجاتها إلى كافة دول العالم مثل البروكار السوري والموزاييك والصدف وغير ذلك، لافتاً إلى أن السوق الداخلية لهذه الحرف ترتبط بالعنصر السياحي، نظراً لضعف القوة الشرائيّة لدى المواطن السوري، في حين تعد مطلوبة بشكل جيّد للتصدير إلى الخارج.

انتعاش مهن الإكساء والترميم

وفي سبرٍ لبعض المهن، ونظراً لبعض المناطق التي شهدت عودة للأهالي بعد أن تهجّروا منها بفعل الإرهاب، لوحظ انتعاش سوق المهن المتعلقة بالإكساء والترميم، وفي هذا السياق يؤكد العامل في مجال إكساء المنازل أحمد جبور أن هذه المهن بعد أن عانت من ركودٍ كبير خلال سنوات الحرب الأولى نظراً لارتفاع الأسعار وقلة المواد ونزوح الأهالي، عادت الآن لتنتعش بشكل كبير مع تحسن الظروف الأمنية، ورغبة الأهالي بالعودة إلى منازلهم والتخلص من إيجارات المنازل المرتفعة، حتى وإن كان بعض الزبائن يرغبون باستخدام مواد أقل جودة بتكلفة منخفضة لسد احتياجاتهم بشكل مؤقت فقط.

وأشار جبور إلى ارتفاع أسعار المواد بسبب تجار الإكساء المتحكمين بالقطاع دون وجود رقابة، لافتاً إلى النقص الكبير بالكوادر الذي يصل إلى نحو 70 بالمئة، إضافة إلى أن أغلبية العاملين بهذا المجال هم بأعمار تزيد على الأربعين عاماً، نظراً للهجرة الكبيرة للشباب.

مفاعيل انقطاعات الكهرباء المتكررة

وفي سياق آخر، وفي ظل الأعطال الكبيرة في الكهرباء والانقطاعات الترددية التي تؤدي إلى حدوث الكثير من الماسات الكهربائية والحرائق في بعض الأحيان وتعطلّ الأجهزة الكهربائية، يشير العامل في قطاع التمديدات الكهربائية منذر التللو النشواتي لـ«الوطن»، أن هذه الانقطاعات أدت إلى إنعاش مهنة تركيب ألواح الطاقة الشمسية نظراً للإقبال الكبير عليها رغم تكلفتها العالية جداً، حيث تصل تكلفة تركيب لوحين فقط مع بطارية إلى نحو ثلاثة ملايين ليرة، مشيراً إلى انتعاش العمل بهذه المهنة في ظل توفر المواد بالأسواق بشكل كبير، مضيفاً: «كذلك الأمر بالنسبة لمجال التمديدات الكهربائية بشكل عام في ظل إعادة افتتاح بعض الورش الصناعية في ريف دمشق وعودة بعض الأهالي إلى منازلهم».

التكيف الاقتصادي مع الأزمات

من جانبه، يرى الأستاذ الجامعي في كلية تشرين الدكتور سنان ديب أن انتعاش الكثير من المهن والحرف يمكن تسميته بالتكيف الاقتصادي مع ظروف الأزمة والحرب والمنعكسات والمتغيرات والضغوطات الدولية، إضافة إلى الفجوة المعاشية الكبيرة بين الدخل والمبالغ المالية المطلوبة للوصول إلى فوق خط الفقر بقليل، كل ذلك أدى إلى تغيّر طبيعة النظرة إلى العمل، حيث كان بعض الشباب في السابق يرفضون العمل بأنواع معينة من المهن كتقديم الطلبات في المطاعم مثلاً، ولكن الآن مع ازياد الحاجة المادية تلاشت هذه النظرة تقريباً، وأصبح هناك إقبال كبير على هذه الأعمال.

ضرورة التدريب المهني

ويعتبر ديب أن المهن المتعلقة بالإعمار والترميم والإكساء يجب أن تنال اهتماماً من الحكومة من خلال تفعيل دور معاهد التدريب المهني لتأهيل كوادر كبيرة، إضافة إلى تنظيم هذه المهن ضمن خريطة والترويج لها واستثمار طاقات الشباب خاصة مع وجود نقص في الأيدي العاملة، متابعاً: «كما يوجد الكثير من المهن التي انتعشت في القطاع غير النظامي كالبسطات والتسويق عبر الإنترنت والعمل بمستحضرات التجميل والألبسة وغير ذلك بسبب الحاجة المادية».

حلٌ للطاقات المعطلة

واعتبر ديب أن الترويج والتدريب لمهن جديدة سيؤدي إلى تخفيف الضغط على النسيج الاجتماعي وخاصة في ظل وجود الكثير من الطاقات المعطلة التي تؤدي إلى انتشار الجرائم وتعاطي المخدرات وغير ذلك نتيجة الفراغ الكبير.

وحول استدامة هذه المهن التي انتعشت في ظروف معينة واستثنائية، يرى ديب أنه لا يمكن تشميل كل المهن في إطار الاستدامة أو عدمها، فمثلاً مجال العمل بالطاقات المتجددة تتبعه الدولة كإستراتيجية بديلة عن الطاقة الأحفورية من أجل البيئة، ولكن عندما تعود الحياة الطبيعية وتتوفر الكهرباء قد ينخفض إقبال المواطنين عليها، إلا أن بعض المهن الأخرى المتعلقة بالبناء مثلاً قد تكون ذات عمر طويل، وتحقق الكثير من فرص العمل والتنافسية ما يؤدي إلى تخفيض التكلفة على المواطن بسبب تنوع الخيارات السعرية أمامه.

الوطن

شارك