أمام شح “المدعوم”.. هل ارتوت الزراعة من المازوت الحر أم الأسود؟

تعرض القطاع الزراعي في موسم 2021 ـ 2022 لكمّ كبير من الصعوبات والمعوقات لم يكن أيّا منها مفاجئاً بحكم الظروف التي تمر بها البلاد، وفي مقدمة هذه المعوقات تأمين مادة المازوت الأساسية لري محاصيل الحبوب والقطن والشوندر والحمضيات والخضار والفواكه ..الخ، ومع أن الحكومة وعدت بتأمين ما تحتاجه الزراعة من مادة المازوت بالسعر المدعوم أو بالسعر الحر (حسب الإمكانات المتاحة) فإن الأسعار الكاوية أو الجنونية للسلع الغذائية دفعتنا لطرح السؤال: هل ارتوى القطاع الزراعي من المازوت الحر أم الأسود؟

ونقول الحر أو الأسود لأن المازوت المدعوم بالكاد تمكنت الحكومة من توفيره لمحصول القمح.

من أين اشتروا؟

لقد كشف وزير الزراعة حسان قطنا في 23/5/2022 أن كمية المازوت بالسعر المدعوم المباع لقطاع الزراعة في الموسم الحالي 2021 ـ 2022 بلغ 47.6 مليون ليتر من إجمالي الكمية التي تحتاجها الزراعة والبالغة 221 مليون ليتر وفق ما هو مخطط من قبل الوزارة أي بنسبة 21.5 % فقط!

والسؤال: من أين اشترى الفلاحون النسبة المتبقية من حاجتهم للمازوت والبالغة 78.5 % أي 173.4 مليون ليتر؟

كما نرى النسبة أو الكمية كبيرة جداً وهي مؤشر على أن الدعم لقطاع الزراعة كان محدوداً جداً، مع أن الحكومة تدرك جيداً أن الغالبية العظمى من الفلاحين فقراء لا يقوون على شراء المازوت بالسعر الحر، وقطعاً ليس بالسعر الأسود أيضاً..!

والسؤال الأهم: من يمد السوق السوداء بالمازوت الحكومي؟

لا توجد آليات فاعلة!

إن الكميات المصارة من المازوت تُقدّر بالأطنان وليس بآلاف الليترات، ولو كانت الجهات المكلفة بتوزيع المادة جادة بإيصالها إلى المنتجين وليس لتجار السوق السوداء عبر آليات فعالة تمنع تسربها، لكان القطاع الزراعي ارتوى بنسة أكبر من المازوت المدعوم !

وما يثير الاستغراب أن الجهات الحكومية أعلنت في الأشهر الأخيرة عن استعدادها لتأمين حاجة الفلاحين من المازوت بالسعر الحر وفق آلية محددة، بدلاً من شرائه من السوق السوداء بأسعار ملتهبة، وهذا يعني أن إمكانية رفع نسبة المازوت المدعوم المباع للقطاع الزراعي كانت ولا تزال متاحة، بل يمكن رفع النسبة إلى الأعلى أكثر فأكثر لو أن هناك آليات فعالة تضبط حركة توزيع المازوت وتمنع تسربه للسوق السوداء!

هل ارتوى؟

وبما أن القمح هو المادة الإستراتجية الأهم في القطاع الزراعي باعتبارها تستنزف مواردنا الشحيحة من القطع الأجنبي فإننا نسأل: هل ارتوى القمح من المازوت المدعوم؟

حسب تأكيد المكتب الصحفي في وزارة الزراعة فإن التوجيهات كانت واضحة: تأمين ما أمكن من المازوت المدعوم للقمح والباقي بالسعر الحر عبر التسجيل المسبق بوحدات الإرشاد الزراعي، وهذا يعني أن الحصة الأكبر المباعة من المازوت المدعوم والبالغة 47.6 مليون ليتر كانت من حصة القمح.

حسنا ،إذا افترضنا إن الحكومة وفرت حاجة القمح من المازوت الحر والمدعوم فهذا يعني بالضرورة إن إنتاجنا من القمح هذا الموسم سيكون وفيراً مقارنة بموسم العام الماضي الشحيح، ويجب أن لا يقل عن 1.5 مليون طن، ونتمنى أن يرتفع إلى أكثر من مليوني طن حسب توقعات خطة وزارة الزراعة لموسم 2021 ـ 2022 ، وهي الكمية التي تحتاجها سورية سنوياً.

وحسب المعطيات المتاحة فهذا الرقم عادي جداً ولن يكون مفاجئاً في حال تم تأمين حاجة الأراضي المروية بالقمح من محروقات وأسمدة ومياه وأدوية، وسعر شراء مجز جداً يغطي تكاليف مستلزمات الإنتاج التي لم تتوقف الحكومة عن رفع أسعارها على مدى الموسم الزراعي السابق والحالي، بل يجب شراء القمح من المنتجين بأعلى من سعره العالمي مادام يغنينا عن الاستيراد.

وإذا عدنا إلى الخطة الزراعية المعتمدة سنكتشف بسهولة من خلال تصريحات الجهات المعنية بوزارة الزراعة أنها وُضعت استناداً إلى عنوان واضح (التخطيط ضمن المتاح والواقع الفعلي)، وهذا يعني حسب الموارد المتاحة من مستلزمات الإنتاج التي تتيح تحديد حاجة المحاصيل بشكل كمي ووفق جدول زمني محدد، فهل تمكنت وزارة الزراعة من تنفيذ خطتها وفق المتاح والواقع الفعلي أم طرأت مستجدات لم تكن في الحسبان كأزمة المحروقات ؟

لن تجد طريقها للتنفيذ!

الجميع يعرف أن أي خطة زراعية لا تؤمن لها مادة المحروقات الضرورية لتشغيل محركات ضخ المياه للمساحات المروية  لن تجد طريقها للتنفيذ، والدليل أنه في عام القمح لم تتمكن الحكومة من شراء أكثر من400 ألف طن من القمح !

كما إن المحروقات ضرورية لمحاصيل أخرى كالقطن والشوندر السكري والتبغ فهي تؤمن المادة الأولية لدوران عجلة الإنتاج في معامل القطاعين العام والخاص!، ولا تقل أهمية المحاصيل الأخرى عن الإستراتيجية كالشعير والذرة الصفراء (لتغذية قطاع الدواجن والثروة الحيوانية) والبطاطا والحمضيات والبندورة .. الخ. فجميعها عطشى للمازوت المدعوم كي تصل المنتجات إلى المستهلك بأسعار مناسبة لا بأسعار “فلكية” مقارنة بالدخل المحدود جداً..!

وعندما يضطر المنتج المقتدر مالياً على شراء ليتر المازوت بـ 3000 ليرة من السوق السوداء لري محاصيله مهما كان نوعها، فإنه حتما سيسترد أكثر من ثمنها من المستهلك، أي أن ملايين الأسر العاملة بأجر هي من يروي المحاصيل الزراعية بالمازوت الأسود كبديل عن المازوت المدعوم!

وما أدلي به التنظيم الفلاحي منذ أشهر حول شح مادة المازوت المدعوم بدأنا نحصد ترجمته منذ أسابيع على شكل ارتفاع غير مألوف وغير مسبوق للمنتجات الزراعية (لحوم وفروج وبيض وأجبان وحليب وألبان، وبقوليات وخضر وفواكه..الخ) .

الخلاصة: يجب على الحكومة أن توازن دائما رقميا عند تنفيذ أي خطة زراعية بين تكلفة تأمين مستلزمات ري محاصيلها بالمازوت المدعوم حصراً، وبين استيراد منتجات هذه المحاصيل بالقطع الأجنبي، وتقرر بعدها أيهما أفضل لتأمين الاكتفاء الذاتي: الإنتاج المحلي أم الاستيراد؟

 البعث : علي عبود

شارك