أين هي الأسعار الفلكية في إيجارات وبيوعات الشقق السكنية ؟

 
ظاهرياً، أسعار الشقق السكنية ارتفعت كثيراً في السنوات الماضية، وفعلياً أسعار الشقق لم ترتفع، بل يمكن الجزم بأنها انخفضت كثيراً، والمستغرب في الأمر أن الغالبية تتعامل مع أصحاب الشقق السكنية وكأنهم ”مصاصو دماء“ يستغلون الأزمة لتحقيق أرباح فاحشة جداً!.
ويتناسى الجميع بأن عدداً كبيراً من المواطنين شققهم السكنية هي المصدر الوحيد لدخلهم ولتأمين مستلزمات حياتهم اليومية، والدليل على ذلك أن المقتدرين مالياً لايؤجرونها ولا يبيعونها ويبقونها مغلقة، بل إن الكثيرين منهم يملكون عدة شقق لم تطأها أقدامهم منذ سنوات.
ومثلما تقوم الجهات الحكومية والفعاليات التجارية والصناعية وأصحاب الحرف والمهن، وحتى باعة الأرصفة بتعديل أسعار السلع والخدمات حسب آخر سعر للصرف الرسمي أو الأسود، فإنه من الطبيعي أن يقوم أصحاب الشقق السكنية أيضاً بتعديل بدلات إيجارها وأسعار بيعها حسب سعر الصرف سواء الرسمي أم الأسود.
المشكلة كانت ولاتزال في تراجع دخل الغالبية العظمى من المواطنين من جهة، وتدهور سعر صرف الليرة من جهة أخرى، وليست في كثرة الطلب وشح المعروض واستغلال الظروف.
وإذا كانت الحكومات المتعاقبة رفضت تعديل الأجور والرواتب حسب آخر سعر للصرف، ورفضت بيع سلعها وخدماتها حسب أسعار عام 2010، فلماذا يطلب المنظّرون من أصحاب الشقق تأجيرها أو بيعها حسب القدرة الشرائية لملايين العاملين بأجر، وهو مالم ولن تفعله وزارة الأشغال والإسكان في مشاريع الإدخار والسكن الشبابي.
يقال إن نسبة ارتفاع سعر الإيجار تجاوزت نسبة 100 %، ونحن نؤكد بأن النسبة تجاوزت أكثر من 300%!.
ظاهرياً… إيجار الشقة ارتفع في بعض أحياء دمشق من 15 ألف ليرة عام 2010 إلى مالايقل عن مليون ليرة حالياً، وفي أحياء أخرى تجاوز هذا الرقم بكثير!.
حسناً… لنسأل أمثال من يستخدمون عبارات مثيرة من قبيل “أسعار فلكية”: أي الإيجارين أفضل لصاحب الشقة مبلغ الـ 15 ألفاً في عام 2010 أم المليون ليرة في عام 2023؟.
لنقترب من الأرقام الواقعية أكثر فأكثر لنكتشف التالي: مبلغ الـ 15 ألف ليرة سورية كان يساوي بحدود 320 دولاراً في عام 2010، في حين مبلغ المليون ليرة اليوم يساوي حسب آخر نشرة رسمية لسعر الصرف 108 دولارات، ولا يتجاوز 100 دولار في السوق الموازي الذي يعتمده التجار وكل الفعاليات الحرفية والمهنية والباعة في الأسواق والمحلات كسعر فعلي بتسعير منتجاتهم وخدماتهم !.
كان متوسط إيجار الشقة في أغلى مناطق دمشق بحدود 40 ألف ليرة شهرياً(851 دولاراً)، فإذا التزم صاحبها بالقوة الشرائية لإيجارها في عام 2010 فهذا يعني بأن بدل إيجارها لن يقل اليوم عن 8 ملايين شهرياً.
ويرى عقاريون بأن الإرتفاع الحاصل في مواد البناء كالحديد المبروم والإسمنت والرمل والنقل وراء ارتفاع الأسعار، وهذا غير صحيح!.
أما مايقوله من يسمون أنفسهم بـ ”خبراء عقاريين“ بأن ارتفاع الأسعار سببه أن سوق العقارات أصبحت جاذبة للاستثمارات نتيجة للعائد السريع والمرتفع، فهذا يناقض العقل والحقيقة، فمن جهة كانت ولا تزال العقارات على مدى العقود الماضية الملاذ الآمن للمدخرات والربح المضمون، ولكن في هذه الأيام يعتبر الاستثمار في العقارات خطيراً جداً.
ومن أغرب مايقال هذه الأيام إن السكن أصبح حلماً للمواطن، ويوحي هؤلاء وكأنّ السكن كان متاحاً للمواطن في السابق، فالصحافة السورية حافلة بالتحقيقات والمقالات والزوايا منذ تسعينيات القرن الماضي التي تبرهن بالأرقام أن السكن يُعد من المستحيلات بالنسبة لأصحاب الأجر المحدود.
حتى السكن الشبابي انتهى إلى التجار والمقتدرين مالياً لأنه مستحيل على أي شاب مهما بلغ دخله بأن يحصل على شقة ولو بسعر التكلفة، فعن أي حلم يتحدثون؟.
نعم ليس بإمكان العامل بأجر أن يؤمن مصاريف عائلته سوى لبضعة لأيام، وبالتالي ليس بإمكانه تأمين قسط السكن الشبابي، ولكن من يتحمل مسؤولية هذا الوضع مؤسسة الإسكان أم اصحاب الشقق؟.
ونقترب من الفانتازيا عندما نرى البعض يعوّل على المطورين العقاريين لطرح أفكار جديدة تتيح تأمين السكن للعاملين متوسطي الدخل، في حين المطلوب النزول إلى الواقع والبحث عن أفكار خلّاقة تمنع تراجع القدرة الشرائية لهؤلاء بفعل تدهور سعر الصرف أمام الدولار، فحتى أصحاب الدخل الذين وصلوا إلى الحد الأقصى للراتب غير قادرين على استئجار شقة سكنية حتى في المناطق العشوائية، باستثناء قلة في القطاع الخاص تتقاضى أجرها بالدولار أو بما يعادل سعر صرفه.
وإذا كان البعض يتفنّن باختيار عبارات ”طنانة“ من قبيل ”أسعار المنازل في سورية أصبحت فلكية“، فلماذا يتجاهل السبب الفعلي وهو أن أجور العاملين أصبحت ماكروية أي في منتهى الضآلة والصغر.
حسناً لننظر إلى أسعار الشقق وإيجاراتها بواقعية ”دولارية“ مادامت الجهات الرسمية نفسها تقوم بتعديل أسعار منتجاتها وخدماتها حسب سعر صرف الدولار الرسمي.
الشقة التي كان سعرها 8 ملايين ليرة أي مايعادل 170 ألف دولار عام 2010، من المنطقي أن يقفز سعرها إلى 1.5 مليون ليرة حالياً، لكنها بالكاد تباع بمليار ليرة، أي سعرها انخفض ولم يرتفع، وإيجار الشقة الذي كان بحدود 15 ألف ليرة شهرياً عام 2010 كان يساوي 312 دولاراً أصبح اليوم أقل من مليون ليرة بما يعادل 112 دولاراً!.
بعد هذه الأرقام المعدلة حسب سعر الصرف نسأل: أين هي الأسعار الفلكية في إيجارات وبيوعات الشقق السكنية؟.
غلوبال
شارك