البضائع المقلّدة تغزو الأسواق السورية.. غش وتدليس و أسعار كاوية واعترافات الباعة صادمة

لم تعد المشكلة بالأسعار المرتفعة فقط، لكن الأسوأ هو شراء بضاعة رديئة بأسعار كاوية، ولاسيما ما يتعلق بأجهزة وملحقات الاتصالات، كالشواحن وبطاريات الحواسيب والشاشات، ناهيك بفساد المعلبات وأغلبية السلع التي يتم شراؤها من التجمعات والأسواق الشّعبية .

بعض التجار الكبار يبحثون عن الربح بغض النظر عن

نوعية السلعة التي يستوردونها أو يبيعونها غير مكترثين بأرواح المواطنين

كثيرون من تجار الجملة وبائعي التجزئة رفضوا الحديث عن نوعية المواد والسلع التي لا تمتلك الحدّ الأدنى المطلوب من الجودة والأمان أو المنتهية الصلاحية، ومن يقف وراء استيرادها وبيعها، أو الإفصاح عن أي معلومات تتعلق بتلك السلع وكيف تتعامل معهم الجهات المختصة، باستثناء عدد قليل منهم أبدوا استعدادهم للرد على أسئلتنا واستفساراتنا، ولكنهم تحفظوا على ذكر بعض التفاصيل التي يُثار حولها الجدل، ومن هؤلاء الذين تجاوبوا معنا، أبو فؤاد صاحب محل لبيع المواد المنزلية تحدّث قائلاً : ” بعض التجار الكبار يبحثون عن الربح بغض النظر عن نوعية السلعة التي يستوردونها أو يبيعونها، فهم لا يكترثون بأرواح المواطنين الذين يعانون أصلاً من مستوى معيشي متدنٍ، الذي يدفعهم لشراء السلع الرخيصة بغض النظر عن منشَئِها وصلاحيتها، فبعض التجار يقومون باستيراد سلع ذات جودة متدنية وغير فاعلة أو منتهية الصلاحية مستغلين إقبال المواطنين على شرائها ويعمدون إلى بيعها عبر البسطات أو الباعة المتجولين غالباً كي يتهربوا من المواطن الذي يكشف سوء هذه البضائع، أمّا التجار الصّغار، من أمثالي، أو بالأصح البعض منهم فسيحرصون على شراء وبيع السلع ذات الجودة المناسبة وغير المنتهية، حرصاً منهم على حياة الناس وعلى أن يوفروا لأسرهم احتياجاتها مع حفظ سمعة المحل .

السلع المغشوشة
ويقول السيد أبو أسامة صاحب محل ميني ماركت: هناك سلع مستوردة، ولاسيما المُعلبة منها مغشوشة، ويصعب على المواطن العادي تمييز الجيد من المغشوش، لذا نحرص على التعامل مع وكلاء المنشأ الأصلي، حتى نتجنب السلع المغشوشة ونحافظ على سمعتنا في السوق، لكن ذلك ينعكس على ارتفاع سعر السلعة والذي يسبب لنا ركوداً في البيع، إلّا أننّا ومع هذا مقتنعون بما يكتبه الله لنا من رزق حلال.

حملات تفتيش
وأضاف :” أغلب المعلبات المتوافرة في السوق رديئة أو على وشك الانتهاء، وهناك معلبات وسلع منتهية الصلاحية أيضاً، ولا تصلح للاستهلاك، لكن المواطنين يضطرون لشرائها بسبب رخص أسعارها، مضيفاً إنّ التجار من أصحاب البضاعة الفاسدة يعتمدون على بائعين متجولين، وأصحاب بسطات في أغلب الأحيان لتصريف البضاعة، وتتم العملية عبر منح البائع كمية من السلع من دون مقابل حتى ينجح في تصريفها، عندئذٍ يحصل على نسبة من الأرباح.

زيادة كميات السلع
ويشير الاقتصادي “عفيف مرهج” إلى أن زيادة كميات السلع منتهية الصلاحية ناتجة من أنّ بعض التجار لا يلتزمون بمعايير السلامة والصحة، حيث يخالفون القوانين الناظمة، وبالتواطؤ مع بعض الجهات المعنية وخاصّة في المنافذ الحدودية، كما أنّ بعضهم يعمد إلى استبدال التاريخ المنتهي بآخر صالح، وتتم هذه العملية بصورة سرية مخالفة للقانون، حيث يوزع التاجر بضاعته على أنّها صالحة للاستهلاك البشري، وهذا يضر بسمعة التجار كافة، بمن فيهم نحن الذين لا نتعامل مطلقاً مع السلع المنتهية أو الرديئة، وما نرجوه هو أن يُفعّل القانون ويُطبق على الجميع من دون استثناء؛ ليعلم المواطنون من يُتاجر بصحتهم وحياتهم، ومن الذي يحرص على صحتهم وحياتهم.
المسؤولية المجتمعية
يقع على عاتق المواطنين جزء مهم من “المسؤولية المجتمعية” تجاه من يبيع البضاعة المنتهية، وترى الدكتورة سراب عثمان الرئيسة السابقة لجمعية حماية المستهلك، أنّه قبل شراء أيّ بضاعة على المستهلكين أن ينظروا لتاريخ الإنتاج والانتهاء، والاحتفاظ بعينة من البضاعة المنتهية، وعدم السكوت عن اقتراب الخطر منهم، ثمّ عدم التهاون أبداً مع أي تاجر، يبيع مواد منتهية بحجة أنّه لا يعرف أنّها منتهية؛ لأن هذه المبررات أقل من واهية، أمام حياة الناس فحياتهم ليست للمراهنة، أو للتذكّر والنسيان، ويجب التعامل بوعي كبير في مثل قضية كهذه والحزم أيضاً من دون تهاون، على مَن يستهينون بأرواح الناس، فهذه تعدّ من قبيل قضايا قتل العمد غير المباشرة.
جمعية حماية المستهلك
وتلفتُ الدكتورة عثمان إلى أهمية الجولات الرقابية وتعزيزها وتكثيفها، ما يؤدي إلى ظهور المواد المخالفة والمزورة وغير معروفة المنشأ، بحيث لا توجد مواصفات أساسية كمعاجين الحلاقة، ومواد التجميل، وكذلك المواد البلاستيكية المُعاد تصنيعها وتدويرها، والتي تُستخدم في تغليف بعض الصناعات الغذائية، وهي مواد خطرة جداً ويجب الانتباه إليها، وأضف إلى ذلك المخالفات بالألبسة التي لا تعدّ ولا تحصى بدءاً من كونها مواد قطنية وإذ هي من مواد مُصّنعة ومن أصبغة مخالفة وكثيراً ما يتم وضع ماركات عليها مزورة وهذا واقع السوق الحالي، لكن من المقترحات لحل هذه الإشكالية مقاضاة كل من يقوم بهذا التزوير، وأيضاً إقامة دورات تفتيشية مفاجئة على الورش التي تتم بها صناعة هذه المواد والطلب من مديرية الجمارك القيام بالتشديد على منافذ الحدود والطلب إلى وزارة التجارة الداخلية القيام بجولات على الورش وخاصة في الريف، والتوجه لوزارة الاقتصاد بالتشدد في منح إجازات الاستيراد والمواصفات التي تحملها لهذه المواد التي لا يعرف منشؤها ومعاقبة المخالفين ومنعهم من الاستيراد.

قبل شراء أيّ بضاعة على المستهلكين أن ينظروا لتاريخ الإنتاج والانتهاء

والاحتفاظ بعينة من البضاعة المنتهية، وعدم السكوت عن اقتراب الخطر منهم

ومن الجدير ذكره أنّ سوق البضائع والمنتجات التجارية المقلدّة يجد اهتماماً من المتسوقين، بينما تشهد حركة الأسواق والمحال التجارية نشاطاً كبيراً في تجارتها، نظراً لتشابهها الكبير مع البضائع الأصلية، ويتهافت المستهلكون والمدمنون على الموضة والأزياء على أمل تقديم هدايا أصلية لأصدقائهم في الأعياد والمناسبات، أو للتباهي والتفاخر بما يمتلكونه من ملابس وأحذية وساعات وأدوات تكنولوجية ذات جودة عالية وأصلية، ورغم أنّ المنتجات التجارية المقلّدة تعدّ مخالفة للقانون إلّا أنّ هذا الأمر لم يمنع بعض المستهلكين من ارتياد متاجر تبيعها بأسعار مغرية.
يبرز دور الجمعيات هنا في فرض مواصفات الأمان والتحذير من خطر السلع، حيث تقوم بالسعي لاستصدار قانون لسحب السلع الخطرة من السوق، وتُحمّل المنتج والمقاول والمستورد مسؤولية أمان السلع عند استعمالها بالطرق المقترحة.
وتتعاون جمعيات حماية المستهلك بإعلام بعضها بعضاً عن السلع الخطرة، كما تسعى لاستصدار مجموعة قوانين تقتضي التشديد على وضع المعلومات الدقيقة على السلع الجيدة والمفيدة والتي قد تكون في الوقت نفسه خطرة في حالة استعمالها بطريقة خاطئة (كوضع علامة بارزة على الأبواب الزجاجية التي ليس لها إطار ما يتسبب في ارتطام الناس بها)، وكذلك تحدد الجمعيات مواصفات الأمان ومتطلبات معينة لكل سلعة خطرة، كالأجهزة الكهربائية والسلع التقنية والكيماوية والأدوية، على أن تكون هذه المواصفات مطابقة للمواصفات الدولية كي يطمئن المستهلك إلى السلع المحلية.
ويمكن القول إنّ حالات الغش في السلع الاستهلاكية والبضائع على مختلف أنواعها وأصنافها لم تكن وليدة اليوم، لكنها مع الأسف الشديد كانت واقعاً متجذراً في صلب العملية الاقتصادية على مختلف صورها وألوانها منذ نشأتها، بل إنّها كانت جزءاً من الدورة الاقتصادية، صناعة وتجارة وزراعة، وقد أسهم في تطور وتنامي مظاهر الغش وجود طبقات اجتماعية فقيرة تبحث عن الأسعار الأقل غير عابئة بما يترتب على ذلك من أضرار صحية أو مخاطر قاتلة من جراء استخدام تلك البضائع المغشوشة.

تشرين

شارك