في حضرة “إعمار المؤسسات المترهلة”.. لابد من إعطاء الفرصة للخبرات وضخ دماء شابة في الإدارات العليا

تساؤلات كثيرة..؟
حين وجّه مجلس الوزراء بتبوء الشباب المناصب الإدارية، وجّهت عشرات التساؤلات من أهل الإدارة وممن هم على أبواب التقاعد وقد احتفظوا بخبرات لم تؤهلهم الفرص لضخّها في مناصب إدارية لأسباب مبهمة، فهل وضعت الأسس والمعايير والمقاييس التي يجب أن يختار بها من هؤلاء الشباب لهذه المواقع، ومن ومتى وأين ولماذا يمكن الاختيار من الشباب للإدارة؟! ومن كان في زمن مضى شاباً وتميّز وامتلك من المعرفة والقدرات المتعددة الكثيرة، لكن الحرب وغيرها من الأسباب لم تمكنه من حقه وإثبات ذاته، ولم يجد فيما مضى من ينصفه، واليوم وبعد أن فاته الشباب وتقدم به العمر وأصبح في نهايات التعب، أين موقعه وممن ومتى سيأخذ دوره وحقه؟.

بالإجماع..!
يتفق موظفو القطاع العام على غياب أسس ومعايير سليمة لاختيار المدير، ففي ردّ الكثير ممن وجهنا لهم السؤال حول رضا الموظف عن مديره كان الإجماع بالنفي، وأحقية الكثير ممن لهم سنوات خبرة ومؤهلات علمية في استلام منصب المدير على من هم موجودون حالياً وسط غياب الإبداع والتطوير والتحديث في مناصبهم التي لم يعد لهم القدرة على التحفيز واختلاق ما هو جديد لتسريع وتيرة العمل.

سياسة الباب المفتوح
خطوط حمراء وتجاوزات وعلامات خلل بدت واضحة بعد الأزمة عما كانت عليه في السنوات الماضية في العمل المؤسساتي، وعلى الرغم من المحاولات الخجولة لتحسين الأداء الإداري إلّا أنها لم تنجح في وضعه على مساره الصحيح، ويجد “زكوان قريط” دكتور في الاقتصاد أنه من الضروري إدخال دماء جديدة شابة إلى الإدارة وإعطاؤها دورها المطلوب، خاصة وأن مشروع الإصلاح الإداري الذي أطلقه السيد الرئيس منذ 2017 يسعى إلى وضع معايير موضوعية لانتقاء وتعيين المديرين والمراكز الإدارية العليا، وهذا ما تسعى إليه وزارة التنمية الإدارية حالياً، فالتغيير مطلوب كماء النهر الجاري الذي إذا ما بقي ثابتاً سيتلوّث، ولفت قريط إلى أن الإدارة هي علم وفن ولا تقوم على الخبرة فقط، لذا يجب تمكين الشباب وإتاحة الفرصة للمبادرة بالتطوير لمن يملكون عقولاً نيّرة منفتحة على التجديد والتكنولوجيا، ولا يمكن أن يكون المدير ناجحاً ما لم يمتلك رؤية إستراتيجية وخطة “أجندة” عمل وفق أولويات، وأن يفسح المجال لروح المبادرة وتحفيز العاملين وخلق بيئة عمل إيجابية واتباع سياسة الباب المفتوح وهذا ما نفتقده في إداراتنا.

خلل وظيفي
أزمة ومشكلة وعرف وغيرها من الصفات التي أطلقها محمد كوسا “خبير إدارة عامة” على مناصب الإدارة في مؤسساتنا، مشيراً إلى أهمية استلام الفئة الشابة للمناصب القيادية في الكثير من المؤسسات والشركات، لكنه وجد أن اتخاذ هذا الإجراء يخلق شيئاً من الحساسية بالنسبة للعاملين في الدولة، وخاصة القدامى منهم ممن يتشبثون بعملهم ولا يتقبلون فكرة استلام شاب جديد لا يملك من الخبرات ما يملكونه، لذا يجب أن نعلم أين نوظف الشباب بناء على معايير وأسس سليمة، فالمدير الناجح هو من يمتلك خلفية علمية وإدارية وكماً كبيراً من الخبرات إضافة إلى الشخصية المرنة المتزنة للتعامل مع الإدارة، واعتبر كوسا أن الأهم من ذلك هو وجود الحافز للتطوير والإبداع، ونحن في الكثير من مفاصل العمل نحتاج إلى قائد وليس إلى مدير، فالقائد يجب أن يلمّ بالوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي ويتخيل المؤسسة بكل مفاصلها وأقطابها وكأنها لوحة أمامه، ويتعامل مع جميع ما سبق بعقلانية ومنطقية، فاليوم نحن بحاجة إلى تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص والفرص المتكافئة ومبدأ الكفاءة العلمية والمهنية في التعيين والاعتماد على القيم الأخلاقية وإعطاء الفرصة للخبرات الوطنية للعمل والسماح لدم الشباب في التدفق واستلام المناصب بعد التأكد من كفاءتهم لشغل المناصب كي لا نقع في ظلمهم إذا قمنا بتسليمهم مواقع قيادية غير قادرين على فهمها والعمل فيها وتطويرها.

إصلاح الوظيفة
في المقابل فضّل مضر السليمان “إدارة عامة” الخوض في الحديث عن الوظيفة العامة في سورية من أجل تحديد المعيار الذي تنتقى من خلاله الإدارات القيادية العليا والوسطى في بلدنا، والمعوقات التي تقف في وجه تطبيق معايير العمل الوظيفي، وتتمثّل في بعض المواد الحاكمة للوظيفة العامة، لافتاً إلى ضرورة إصلاح الوظيفة العامة فهو خيار حتمي اليوم من حيث هيكلة الدولة والأفراد وصياغة المعايير، إذ يعتبر إصلاح الوظيفة العامة ممراً إجبارياً لمكافحة الفساد، وهذا برأيه يتطلّب تعديل شروط الإشغال والتعيين والتقييم وتحقيق مبدأ المساواة في الوظيفة العامة ومبدأ تكافؤ الفرص والفرص المتكافئة، ومبدأ الكفاءة العلمية والمهنية في التعيين والاعتماد على القيم الأخلاقية، لا الاستمرار بما هو عليه اليوم من ضعف منظومة التحفيز وسيادة مفهوم الوظيفة الروتينية وثقافة التدبر الشخصي وضعف الالتزام بالقيم الكبيرة والحاجات العليا في المجتمع وضعف الثقافة والتعلم والالتزام النوعي المعرفي وجمود القدرات البشرية في الإدارة، لتتحول الكثير من المؤسسات العامة إلى مؤسسات روتينية غير منتجة وهادرة، فالمواطن اليوم ورغم ضغوط الحياة التي تواجهه إلاّ أنه ينظر بعين المراقب لما يجري داخل أروقة المؤسّسات الحكومية، لذا يجب على جميع العاملين بدءاً من الموظف الصغير وصولاً إلى المدراء تحمّل المسؤولية الموكلة إليهم، وفسح المجال لمن لا يرى نفسه كفؤاً لمنصب ما بأن يمنح الفرصة لأصحاب الكفاءات والخبرات في ممارسة عملهم وبناء المؤسسات لا تهديمها.

شارك