في حضرة الغلاء… الأولوية لما يُناسب جيب الفقراء “والجودة فقاعة ملونة”

لا خلاف أنّ حالة الغلاء التي يتخبط فيها المواطن فرضت عليه قبولاً محتوماً لكثير من السلع بما تحتويه من ضرر عليه، كحال مواد التنظيف مجهولة المصدر المنتشرة بكثرة على الأرصفة وفي المحال الصغيرة، تلك التي أفلتت من الرقابة بالرغم من تدني جودتها، ولا نحتاج لتساؤلات كثيرة عن كونها مرغوبة من قبل المستهلكين، فتسعيرتها المقبولة مقارنةً بغيرها من الماركات ذات الثمن المرتفع هو ما يُزكيها، فمن الواضح أنّ “تجهيزها لا يحتاج لأي خبرة” هي العبارة التي يتفاخر بها مُصنّعوها.

في المنظفات “المقلدة” تُستبدل المُركبات النشطة بأخرى رخيصة الثمن بنسب أقل ما يجعلها أضعف فعالية وتكلفة

إذ إنها تعتمد على خلط مواد كيميائية مُعدة مسبقاً بأدوات بسيطة منزلياً ليس أكثر، وهذا ما أكده أحد الكيميائين المراقب لهكذا منتجات، كاشفاً بأنّ المواد الخام في المُنتَج هي ذاتها في الأنواع كلها، لكن الاختلاف يكمن في نسبة تركيزها، ففي المُقلدة تُستبدل المُركبات النشطة بأخرى رخيصة الثمن بنسب أقل، ما يجعلها أضعف فعالية وتكلفة.
“لكن ماذا لو” جرت عملية الخلط بطريقة عشوائية، وأُبدلت النسب ولو بالخطأ، ولاسيما أنّها تتم من دون رقابة؟

رضا مُبرر:
ومع هذا تنعم هذه المُنتجات برضا واسع لدى المستهلك طالما أنها تتوافق مع هوى مجتمع بات مُلزماً بالتوفير في أشكاله ومنتجاته كلها، فمن إيجابياتها أنها لا تحتاج لأي تسويق أو ترويج ولا حتى بطاقة منشأ، فبمجرد تعبئتها بأكياس نايلون وعبوات مياه شرب مستعملة، تغدو جاهزة للبيع، هي إحدى سمات إعادة التدوير، ومن غير الحكمة أنّ نلتفت طويلاً لعملية التعقيم.

ترف محكوم:
تتباين آراء ربات المنازل هنا ما بين راضية وممتعضة، فمن تفضلها ترى في سعرها المناسب دعماً لميزانيتها المحدودة بغض النظرعن الجودة، وبهذا لا يجدن أي ضرورة للشكوى، طالما أنها تلبي المطلوب، فشراء المُنتجات غالية الثمن هو نوع من أنواع الترف برأيهن.
أمّا الأُخريات فيرفضن استعمالها رفضاً قاطعاً ضماناً للسلامة، فلا قيمة للسعر أمام الأضرار الصحية التي قد تترتب على استخدام هذه المواد، لكونها غير مطابقة لمواصفات الجودة ولو بالحد الأدنى، كما أنّ استهلاك العبوة الجيدة يُعادل ثلاثة أضعاف النوع الآخر، لتبقى ميزانية كل أسرة هي من يحدد نوعية الشراء.
بحوث صحية:
أجرت المنظمات البحثية العالمية العديد من الدراسات على أنواع مختلفة من المنظفات المعروفة، فوجدت أن غالبيتها تتضمن مركبات عضوية متطايرة مثل (الفورمالديهايد والتولوين والكلوروفوم )، تنتشر على شكل غازات في الهواء عند الاستخدام، وتُعد خطرة على صحة الإنسان وفقاً للوائح العالمية، إذ إنها ترتبط بمشاكل الجهاز التنفسي مثل الربو وسرطان الرئة عند التعرض لها بشكل متكرر، كما للأطفال نصيب من هذه الأخطار فهي تؤثرفي النمو وتسبب مشاكل عصبية، بحسب مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها “هذا فيما يتعلق بالمنتجات العالمية” فما بالنا بإنتاج مواد غُيبت الرقابة عنها ضمن فقاعة التوفير؟

دراسة عالمية: معظم المنظفات المعروفة تتضمن مركبات عضوية متطايرة تنتشر على شكل غازات في الهواء عند الاستخدام وتُعد خطرة على صحة الإنسان وفقاً للوائح العالمية

صداقة خضراء:
توصي هذه المنظمات باستخدام المنتجات الخضراء التي لا تحوي على روائح مصنعة، فقد تكون خياراً أكثر أماناً وأقل خطورة من مثيلاتها التقليدية، لعدم تواجد العطور المضافة فيها، ما يجعل انبعاثاتها من الأبخرة الكيميائية أقل بنحو ثمانِ مرات من تلك التي تحتوي على عطور، ومع هذا فإنّ توصياتهم تلك لا تشغل حيزاً كبيراً من ذهنية المستهلك لدينا، فنشرة ارتفاع الأسعار الصباحية كل يوم كفيلة بأن تحدد أولوياته، ضاربة بعرض الحائط ألوان الطيف السبعة، ولا صداقة تعلو على صداقة دخله المُتطاير.

جهود مبذولة
من جهته يؤكد مدير حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك حسام النصرالله على أن الوزارة تمارس عملها على الوجه الأكمل، من حيث توجيه دورياتها في المحافظات باستمرار لتشديد الرقابة التموينية على هذه المواد والتدقيق في مصدرها، واتخاذ الإجراءات اللازمة في حق المخالفين، ومن ضمنها المعامل والمنشآت التي تتداول المنظفات المخالفة، فضلاً عن التدقيق في بطاقة البيان ومراقبتها من حيث الجودة، منعاً لعمليات الغش والتلاعب بالمواصفات والتزوير والتقليد، كما تكثف سحب العينات من هذه المواد لتحليلها والتأكد من سلامتها وصلاحيتها ومطابقتها للمواصفات القياسية المطلوبة.

نشرة ارتفاع الأسعار الصباحية كل يوم كفيلة بأن تحدد أولويات المستهلك السوري

ليصار إلى حجز الكميات المضبوطة المخالفة كلها، واتخاذ الإجراءات اللازمة قانوناً بحقها، وتُحال الضبوط المنظمة إلى القضاء المختص، الذي بدوره يتولى البت في الأمور المطروحة أمامه وفق أحكام المرسوم رقم 8 لعام 2021 م، كما توضح حماية المستهلك بأنها اتخذت العديد من الآليات فيما يخص الرقابة على الأسواق بشكل عام.
وبين النصرالله أن هذه الإجراءات قد نالت رضى شريحة كبيرة من المواطنين، حيث سعت الوزارة إلى تفعيل الجولات الميدانية المفاجئة على المناطق، وكانت النتائج جيدة، ساعيةً إلى تطويرها والاستمرار بها.

اقتصاد الظل
ونحن هنا لا تعترينا الرغبة في لوي رقابٍ أثقلها الفقر، ولا من هواة العرقلة بنكهة التشاؤم، لمحاولات كسب أرزاق صغيرة باتت طموح ترافقه متلازمة الانتكاس، بل على العكس تشجيع المشاريع الصغيرة أصبح غاية مُلحة في كل تفصيل من تفاصيل العمل، شريطة أن يوجه بشكل صحيح ومدروس، فلا نفلت من كارثة الغلاء لنقع في طامة أمراض قد يصعب علاجها، وبدلاً أن نُذعن لصفعات الغلاء المتراتبة علينا وما تخلفه من علامات مشوهة كاقتصاد الظل، أو مايُعرف بالاقتصاد الخفي الذي أنتجته الظروف الاقتصادية الخانقة، وما لحق بها من حالة بطالة متفشية لتطفو إلى السطح نشطة، ولا تندرج تحت المظلة الرسمية المُسجلة لدى الحكومة، ما يجعلهاغير خاضعة للمراقبة والقوانين، وبالتالي فالمشاركين فيها غير ممتثلين للقوانين، فما الذي يمنع دمج التخصص مع الرغبة في العمل تحت إشراف ومراقبة حقيقية، ولاسيما أنه لا ينقصنا المختصين في هذا الجال لنُنشئ منافساً حقيقياً لمصانع كبرى اعتادت على فرض منتجاتها بأسعار كاوية تحت ذريعة الجودة.

تشرين

شارك