المحروقات ترتفع.. الصناعة تتراجع ؟!

زيادة أسعار الطاقة تقطع طريق المنتج الوطني إلى الأسواق المحلية والخارجية
مطالب بـ”تعويض الفاقد” وإحداث هيئة لدعم الإنتاج؛ وإلا فالجميع خاسر.. !
 
“المال”- خاص: تيماء حيدر
لم تكن تنقص الصناعة المحلية، بما تعانيه من معوقات ومشكلات، زيادة في أسعار حوامل الطاقة، حتى تشكل الشعرة التي تقصم ظهر البعير في هذا القطاع الحيوي الذي يعد أهم روافع الاقتصاد إنتاجيا وتشغيليا وتنمويا، لذا بدأت أصوات الصناعيين، كما مطالبهم تسمع هنا وهناك، بضرورة التخلص من التبعات السلبية لتأثير أسعار الطاقة على منشآتهم، مع ما يعنيه ذلك كله من عقبات تحول دون إنسياب منتجاتهم إلى الأسواق المحلية، فضلا عن شق طريقها نحو الخارجية، التي باتت محدودة وإنتقائية جدا، ليس بفعل العقوبات الغربية الجائرة وحسب، بل أيضا جراء ضعف الدعم الذي تتلقاه المنتجات المحلية، قياسا بذلك الذي تتلقاه المنتجات المنافسة في تلك الأسواق، ما يصّعب الموقف، ويحد من الطلب، بالرغم من جودة هذه المنتجات، التي يعرفها ويطلبها الزبائن في أسواق تقليدية وصديقة..
زيادة أسعار..
 
يرى الصناعي عاطف طيفور أن زيادة أسعار المحروقات، ستؤدي إلى رفع أسعار المنتجات النهائية بنسبة لا تقل عن 35%، وذلك بالنظر إلى أن سعر ليتر المازوت الصناعي ارتفع من 293 ليرة سورية إلى 650 ليرة، أي بنسبة 122%، علما بأن الصناعيين كانوا، فيما مضى، يشترونه من السوق الموازية بألف ليرة، متوقعا بأن يكون هناك سعرا جديدا في هذه السوق غير المنضبطة بأية ضوابط، وأن يحتسب الصناعي تكاليف الإنتاج، بناء على سعر المحروقات فيها، تحسبا لعدم توافرها بالسعر النظامي، سيما مع زيادة الطلب في فصل الشتاء، ما يعني ارتفاعا إضافيا لأسعار هذه المنتجات. كما أن ليست كل التكاليف هي تشغيلية مباشرة، بل هناك تكاليف أخرى تتأثر بالمحروقات كتكاليف النقل والتخزين والتوزيع والتبريد في بعض الأحيان..
 
من يعوض الصناعيين.. ؟
مع إقراره بوجود مشكلة كبيرة تتعلق بتوريدات النفط إلى البلاد، جراء العقوبات الظالمة ضدها، ومع ضرورة أن يتحمل الصناعيون جزءا من هذه المعاناة الوطنية، إلا أن طيفور يدعو إلى ما أسماه “تعويض فاقد”، تستطيع بموجبه الحكومة أن تعوض على هؤلاء عبر عديد الطرق، فمثلا هناك تخفيض فواتير الكهرباء والرسوم الجمركية ورسوم التصدير وغيرها.. وهذا من شأنه أن يدعم الصناعة ويضمن استمرارها، مع ضرورة التمييز بين منشأة وأخرى، فقد تكون إحداها في منطقة تصلها الكهرباء بصفة شبه منتظمة، أو تكون أخرى قريبة من أسواق التصريف، ولا تحتاج لمصاريف النقل، أو تكون ثالثة بحاجة للعمالة الموسمية وهكذا تختلف ظروف وطبيعة العمل والتكاليف تبعا لكل نشاط على حدة.
ويشدد طيفور على أهمية أن ينظر إلى أي شكل من أشكال الدعم التي قد تقدمها الدولة، على أنها استثمار يعود على خزينتها مضاعفا، فهذا الدعم يعني تقوية وتعزيز الصناعة، وهذه بدورها تحرك عجلة الاقتصاد، وتسدد الرسوم والضرائب وترفع معدلات التشغيل، وتوجد فرص عمل للشباب وللخريجين الجدد، وهذا كله ينشط الحركة الاقتصادية في البلاد، لذا مطلوب من الدولة أن تعوض على الأطراف جميعا.. الصناعي والتاجر والمستهلك، وهي بذلك تعزز موقفهم جميعا، وتحسن القوة الشرائية للأفراد، التي باتت متدنية على نحو مخيف، جراء موجات الغلاء المتتالية، وعدم التناسب بين الدخل والأسعار، كما هو معلوم للجميع.. !
هيئة لدعم الصناعة
 
يشكو الصناعي سامر رباطة من مشكلات كثيرة تعرقل الصناعة الوطنية، وباتت معروفة للجميع، فتكاليف الإنتاج ترتفع باستمرار، وفرق سعر الصرف يؤدي في أحيان كثيرة لخسارات محققة، وصعوبة التعامل مع الخارج نتيجة العقوبات الاقتصادية، ثم تأتي مشكلة ارتفاع حوامل الطاقة لتزيد المشهد تعقيدا، وتراكم العقبات في طريق هذه الصناعة، داعيا إلى ضرورة إيجاد هيئة مختصة بدعم الصناعة، تقوم بتحليل المشكلات التي تعاني منها، وتوجد حلولا مادية وإدارية وتنظيمية لها، ومثل هذه الهيئة موجودة تقريبا في أغلب الدول التي ترغب بتطوير قاعدتها الصناعية، وزيادة صادراتها، وفتح أسواق جديدة أمامها.. مشيرا إلى منافسة شرسة يواجهها المنتج السوري في الأسواق الخارجية من نظيريه الصيني والتركي، جراء الدعم الكبير الذي تتلقاه الصناعة هناك..
قلة الإنتاج..
 
وقلل رباطة من أهمية التصنيع للطلبيات خارج الموسم، بمعنى تصنيع الشتوي صيفا، والصيفي شتاء، وبالتالي فإن الموسم الشتوي المقبل صُنّع كاملا في الصيف الفائت، أي قبل ارتفاع أسعار المحروقات الأخير.. مبينا أن ارتفاع التكاليف والعطلة الإجبارية التي فرضها فيروس كورونا، حدّا من هذا الإنتاج كما ونوعا على نحو واضح، وهو ما يفسر قلة التشكيلات المعروضة في الأسواق، لأن أغلب المنتجين يعاني من خسائر بشكل أو بآخر، وبالتالي ستسهم زيادة حوامل الطاقة في تعميق معاناة هؤلاء مع الأسف.. !
 
زيادة التكاليف 50%
وتوقع رباطة أن تؤدي زيادة المحروقات إلى زيادة تكاليف الإنتاج بنسبة لا تقل عن 50%، وأن تختلف هذه الزيادة من قطاع لآخر ومن منشأة لأخرى، وقد يضطر بعض المنشآت لتقليل الإنتاج، أو ربما التوقف الجزئي أو الكلي، مع ما يعنيه ذلك من توقف في تدفق الإيرادات إلى خزينة الدولة، وتسريح عمالة في وقت يبحث فيه المتعطلون عن العمل عن أية فرصة، مؤكدا أن منشأة صغيرة بحجم منشأته، تدفع في جانب واحد كالتأمينات الاجتماعية مثلا نحو 100 ألف ليرة شهريا، وقس على ذلك بالنسبة لجوانب الإنفاق الأخرى، وهي كثيرة ومتشعبة جدا.
خلخلة التسعير.. !
 
يبدو أن النقاشات، حول حوامل الطاقة، باتت تتجاوز المقولات التقليدية.. نقص التوريد، صعوبة تأمين المواد، تأثير العقوبات، حجم الدعم الحكومي للمحروقات، إلى ما يشبه خلخلة التسعير، ومدى إنعكاسها على توافر هذه المحروقات بالسعر المدعوم، وطرق وصولها إلى السوق الموازية (السوداء)، وبالتالي بروز ظاهرة تعدد الأسعار إلى حد التناقض والتضارب، فمثلا لو أخذنا أسعار المازوت، فإننا الآن أمام ثلاثة أسعار للمادة.. قطاع الأفران والمخابز بـ 135 ليرة، النقل والتدفئة بـ 180 ليرة، والصناعة بـ 650 ليرة، فما الذي يضمن ألا تحدث عمليات مضاربة وتهريب وغش بين الأسواق الثلاث مستفيدة من فوارق الأسعار.. ؟!
 
أسواق الجوار..!
يرى الصناعي الدكتور أسامة زيود أن رفع أسعار المحروقات بدافع منع تهريبها خارج البلاد، ليس بالسبب المقنع، ويجب ألا يتحمل الصناعيون أو المستهلكون الأفراد مسؤوليته، التي تقع بالدرجة الأولى على الضابطة الجمركية، كما هذه الأسعار باتت في بلد كلبنان مثلا أرخص منها في سورية، فسعر صفيحة المازوت (20 ليترا) هناك، في السوق الموازية طبعا، هي بحدود 15300 ليرة لبنانية، أي 5355 ليرة سورية، وبالتالي يكون سعر الليتر الواحد 267 ليرة، فيما صفيحة البنزين 24500 ليرة لبنانية، أي 8575 ليرة سورية، ليصبح الليتر بـ 428 ليرة.. !
 
ويقدر زيود، الذي يمتلك منشأة لإنتاج الخيوط والغزول توفر أكثر من 100 فرصة عمل، تكلفة المازوت بنحو 15 بالمئة من تكلفة صناعة وصباغة الأقمشة، والفيول بحدود 25 بالمئة، وتشكل الزيادة في أسعار المحروقات 124 بالمئة، و18.6 بالمئة من التكلفة الإجمالية، بارتفاع 3.6 بالمئة كتكلفة مباشرة، دون التطرق للزيادات في النكاليف غير المباشرة، ولم يتضح جميعها بعد، فقد ارتفع سعر الخيط (قطن وطني من إنتاج القطاع الخاص) 400 ليرة، بزيادة 6.5 بالمئة، كما ارتفع سعر الملح 25 بالمئة، وكذلك الأمر لتكاليف النقل ومشاغل الخياطة والمولدات وغيرها..
 
وتعد مرحلة النسيج مرحلة متوسطة في الصناعة، إذ تشكل- وفقا لزيود- حوالى 70 بالمئة من قيمة الألبسة، ما ينعكس على أسعار المنتج النهائي، ويقلل الطلب، الذي سينزاح نحو أولويات الغذاء والدواء والسكن، ما يقلل الإنتاج، ويضعف القوة الشرائية، ويسهم في تسريح العمالة، جراء التوقف الكامل للمنشآت أو بعض خطوطها، مبينا أن أسعار المحروقات، ستدق الإسفين الأخير في مركب هذه الصناعة المتعثرة أصلا.. !
شارك