الحرب تبدد أحلام الشباب.. بسطة في سوق الحميدية أفضل من الشهادة الجامعية!

بتنا على أعتاب السنة الثانية عشرة للحرب على سورية، أكثر المتضرّرين منها هم شريحة الشباب بفئاتهم ومستوياتهم التعليمية المختلفة، وخاصة الخريجين في الجامعة، فالظروف الصعبة التي تمرّ بها البلد أجبرت الغالبية العظمى من الشباب الجامعي على التخلي عن أحلامهم التي رسموها وهم على مقاعد الدراسة، فالشهادة الجامعية لم تعد تطعم خبزاً نتيجة تدني الراتب الوظيفي مقارنة بالأسعار الكاوية، وهذا ما دفع الشباب للبحث عن حرفة وترك الشهادة معلقة على الحائط، لعلّ وعسى يأتي يوم ويعاد لها هيبتها واعتبارها!.

لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فالهجرة الخارجية باتت هدفاً للشباب، وما يزيد الطين بلّة أنها استنزفت خيرة شبابنا من خريجي الجامعات ومن أصحاب الخبرات في مختلف التخصّصات، والمؤلم أكثر هو غياب الحلول، فلا خطط إسعافية حقّقت نتيجة ولا إستراتيجيات عمل ورقية تمّ تنفيذها نتيجة غياب الرؤية الصائبة والإدارة الناجحة لملف مستقبل الشباب واستثمار قدراتهم وطاقاتهم!.

اليوم وصلت نسب البطالة لأرقام مخيفة، فبعد أن كانت في عام 2011 بحدود 8%، حسب التصريحات الرسمية، ارتفعت خلال سنوات الحرب لتصل في عام 2013 لما يزيد عن 56%، ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية لكنها تفوق الـ60% وخاصة بين الخريجين الشباب!.

انكماش فرص العمل بهذا الشكل كان سبباً في إجبار الشباب على البحث عن أي عمل يؤمّن لهم مصروفهم الشخصي على أقل تقدير، لذلك نجد اليوم الكثير من الشباب من حملة الشهادة الجامعية يفترشون الأرصفة يبيعون على بسطات في الأسواق الشهيرة بدمشق، وغيرها من المدن، وفي الشوارع المتاخمة لحرم الجامعات، وبالقرب من مواقف الباصات والكراجات.

بدنا نعيش!

لا يخجل جورج من عمله كبائع على البسطة، فظروف الحياة الصعبة أجبرته أن ينسى أنه خريج كلية الحقوق، لدرجة أنه بات مقتنعاً أن البسطة بما تدرّ عليه من دخل أفضل بكثير من شهادته الجامعية المعلقة على الحائط، وعلمنا من جورج أنه ليس الوحيد في السوق، بل هناك عشرات الجامعيين الذين يبيعون عرانيس الذرة والجوارب والإكسسوارات وغير ذلك.

كوابيس!

لا تريد نجوى أن تصحو من أحلامها الوردية التي رافقتها طوال حياتها الجامعية، فهي لا تريد أن تصدّق أن دراستها أربع سنوات في الجامعة ضاعت هدراً، لكنها كغيرها من أبناء جيلها اكتشفت الحقيقة المرّة، وهي الآن تبحث عن عمل يؤمّن لها مصروفها الشخصي ولو بحدوده الدنيا، مشيرة إلى أنها تعرّضت للكثير من المعاملة السيئة من أرباب العمل، مستغلين حاجتها!.

الهجرة بأي ثمن!

للأسف تغيّر الحديث في أروقة الكليات والمعاهد الجامعية، فلم يعد الحديث عن تحسين المعدل والمنافسة على مقاعد الدراسات العليا هو أولوية في حياة الطلبة، بل طغى عليه حديث الهجرة والسفر خارج البلد، واليوم هناك حديث عن أرقام كبيرة للكفاءات المهاجرة بحثاً عن فرصة عمل تحقق الأحلام المؤجلة!، والغريب أن الإجراءات المتخذة حيال هذا النزيف لم تحقّق شيئاً على الأرض رغم وجود لجنة وطنية للحدّ من الهجرة تمّ تشكيلها منذ عدة سنوات، بالإضافة إلى وجود لجنة للشباب في مجلس الشعب!.

بارقة أمل!

في هذا السياق، ومن أجل إيجاد فرص عمل للشباب تعمل حالياً الجهات المعنية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة “يونيسيف” على برنامج عمل تشاركي يهدف لتعزيز دور الشباب في بناء المجتمع وتطويره من خلال العمل على أربعة محاور، أبرزها “إيجاد فرص العمل ودعم البحث العلمي”، على الورق يبدو هذا البرنامج جيداً وفق المخطط له، فهو يهدف لرسم الإستراتيجية الصحيحة لطرق بناء مجتمع واعٍ وسليم قوامه شباب مبدع قادر على صناعة فرص العمل وليس انتظارها من الحكومة سنين طويلة!. هنا علّقت مريانا الفيصل دبلوم تأهيل تربوي بالقول: نخشى أن يكون مصير هذا البرنامج كمشروع الإستراتيجية الوطنية لتشغيل الشباب الذي ما يزال نائماً في الأدراج منذ أكثر من عقد!. في حين نجد أن بهاء مهنا المشرف الإداري على البرنامج بمحافظة طرطوس متفائلاً بنتائج البرنامج على المدى القريب، واصفاً البرنامج بأنه “الأول من نوعه ويشكل حافزاً للشباب  للمشاركة الفعالة والمساهمة الحقيقية في بناء المجتمع على أسس موضوعية علمية داعمة وبناءة”.

“التمكين والريادة الطلابي”

وليس بعيداً عن برنامج العمل التشاركي، افتتح الاتحاد الوطني لطلبة سورية بالتعاون مع جامعة دمشق يوم الخميس الفائت مركزاً للتمكين والريادة الطلابي، وبحسب عماد العمر عضو المكتب التنفيذي للاتحاد “أن الغاية الأساسية من المركز تقديم نموذج متطور ومتكامل لخدمة الطلاب في مجال الإرشاد الوظيفي والمهني سواء كانوا على مقاعد الدراسة أو خريجين، وتمكينهم من بناء وتطوير مشاريعهم الخاصة وأفكارهم الريادية لتصبح مشاريع فاعلة على أرض الواقع”.

وبرأي رئيس مجلس إدارة جمعية رواد الأعمال الشباب لؤي المنجد أن المركز سيسهم من خلال الدورات التي سيقدمها في تحويل الطلبة والشباب من طالبي وظائف إلى خالقين لها، ومساعدتهم لتجاوز الظروف الاقتصادية الصعبة والتخفيف من الأعباء المادية المفروضة عليهم وعلى أسرهم، وبالتالي تسهيل دخولهم إلى عالم ريادة الأعمال والنجاح في هذا المجال بأسرع وقت ممكن.

المهم النتائج على الأرض

بالرغم من حالة التفاؤل التي بدت على وجوه الطلبة في المركز، لكن الغالبية منهم طالبت بأن “تصرف” وعود المعنيين على الأرض بإيجاد عمل للخريجين الشباب في مختلف التخصصات الجامعية، وأكدوا أن برنامج الدورات مهمّ ومفيد، متسائلين: ماذا بعد أن نأخذ الشهادة بالريادة؟، نريد عملاً يشعرنا بأننا أصحاب قرار فيما يتعلق بمستقبلنا المجهول بعد التخرج، شهاداتنا الأكاديمية والمهنية لم تعد تكفي إن لم يكن هناك تخطيط استراتيجي سليم لاستيعاب الشباب في العمل، يبدأ من تغيير المناهج ونقلها من حالتها النمطية (الحفظ البصم) إلى جعلها مناهج إبداعية تعلّم الطالب كيف يصنع فرصة عمل مطلوبة في سوق العمل!.

ذكريات حزينة!

يحتفظ الشباب السوري بذكريات حزينة فيما يخصّ انتظارهم في طابور البحث عن وظيفة، منذ أيام مكاتب التوظيف في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي التي لم تكن سوى مخدّر تعطي أملاً خلبياً للشباب، نتيجة غياب المعايير العادلة، ثم جاءت هيئة مكافحة البطالة التي لم تكن أيضاً موفقة في حلّ مشكلة البطالة أو التخفيف من حدتها على أقل تقدير، لتأتي بعدها الحرب وتنسف كل أمل، علماً أن الحكومة أطلقت برنامجاً لتشغيل الشباب منذ عام 2011 لكنه هو الآخر كان قاصراً لأنه حدّد الفئات العمرية المستفيدة منه إلى حدّ الـ35 عاماً، علماً أن بطالة الشباب تعاني منها الفئة العمرية التي تزيد عن هذا الرقم، نتيجة غياب برامج وخطط التشغيل على مدار العقود الماضية، والمؤلم أن البلد كانت تعيش حالة بحبوحة اقتصادية، أي كان بالإمكان أفضل مما نحن عليه الآن!، حتى من ينادون اليوم ويعملون على دعم المشاريع الصغيرة، لكن تبقى مجرد محاولة قد تفيد شريحة معينة رغم الإجراءات المعقدة للحصول على الدعم المنتظر، ليبقى السؤال: ماذا عن الشريحة الأكبر من حملة شهادة الثانوية العامة والمعاهد التقانية؟!.

بالمحصلة.. الملف الشبابي يجب أن يكون أولوية في عمل الحكومة الحالية والحكومات القادمة، من خلال اتخاذ إجراءات فاعلة، فلا نريد لشبابنا أن يستمروا بحصد خيبات الأمل وسط  سيل من الوعود جرف كل أحلامهم وآمالهم بغدٍ أفضل يكونون فيه عنصراً فاعلاً ومساهماً في إعمار البلد.

البعث

شارك