أخيراً صدر القرار الصائب…جرأة محسوبة لـ” المركزي”…إنصاف في سعر تسليم الحوالات وتطمينات بعدم ارتفاع الأسعار

أثار القرار الصادر اليوم عن المركزي المتعلق بشراء الحوالات وفق سعر السوق ردود فعل متباينة ما بين مؤيد كونه يحقق نوع من الاستقرار، وبين متوهّم يرى في طياته أن الأسعار سترتفع .

مدير العمليات المصرفية في مصرف سورية المركزي الدكتور فؤاد علي أكد في تصريح خاص ل( تشرين) أن  القرار رقم 144 والقاضي بإصدار  نشرتي صرف يوميتين، الأولى باسم نشرة الحوالات والصرافة، والثانية باسم نشرة المصارف له عدة أهداف جوهرها دعم المواطن من خلال سعر صرف عادل وزيادة المعروض من القطع الأجنبي ودعم الصناعي والعملية الانتاجية.
وأتاح القرار وفقا لعلي المجال للمواطنين وأصحاب المدخرات أن يصرفوا ما لديهم  من عملات أجنبية بسعر عادل عبر القنوات الرسمية ما يضمن حماية أموالهم من التزوير وتجنيبهم أي مساءلة محتملة، حيث فسح المجال أمامهم لتصريف المبالغ التي يريدونها دون سقف محدد أي غير مقيدين بمبلغ معين ولا بمبلغ السحب.

كذلك يسعى البنك المركزي  من وراء هذا القرار  للحد من السوق السوداء للصرافة وجذب الحوالات منها ومن الدول المجاورة  إلى القنوات الرسمية والقانونية عبر تشجيع المواطن للذهاب والتعامل مع السوق الرسمية  من خلال إعطائه سعرا مجزيا وبعمولة سقفها 2% إن كان المواطن يرغب بأخذ الحوالة بالعملات الأجنبية.

ويبقى الخيار مفتوحا للمواطن بأن يأخذ الحوالات بالعملات الأجنبية أو ما يعادلها بالليرة وفق إمكانية شركات الصرافة والمصارف ، كما فتح المجال لوضع هذه المعادلات في حساب مصرفي وهي ليست خاضعة لقيود السحب والتصريف أيضا كما يؤكد علي.
وبين علي أن الإجراءات الجديدة تمتاز بالسهولة والمرونة تحت سقف القوانين والأنظمة بما يناسب المواطن العادي وكذلك أصحاب المدخرات، حيث إن المواطن هو البوصلة وما عليه وفق القرار الجديد إلا أن يتجه إلى أي مصرف من المصارف المتاح لها التعامل بالعملات الأجنبية أو شركات الصرافة والقيام بهذه العملية مباشرة دون تقديم أي ثبوتيات عند إجراء عملية التصريف مؤكدا أن سقف السحب والتصريف مفتوحا ولا يخضع لحد معين.

وشرح علي أن السعر المحدد اليوم الخميس هو 6650   وهذا رقم متغير وفق نشرات يومية تصدر عن البنك المركزي وتخضع لمعطيات السوق والمتغيرات العامة.

وعن المصارف المخول لها القيام بعمليات التصريف  قال علي : إنها المصرفان التجاري والعقاري والبنوك الخاصة العاملة على الأراضي الوطنية إضافة إلى شركات الصرافة المرخصة.

وبرأي رئيس اتحاد غرف الصناعة غزوان المصري خلال تصريحه لـ”تشرين” فإن القرار لن يؤثر على خفض تكاليف الإنتاج ولن يسهم بانخفاض أسعار السلع أو ارتفاعها لأن الصناعي لا يحصل أصلا على القطع الأجنبي من المصرف المركزي وإنما من شركات الصرافة الخاصة ، مضيفا إن القرار له أثر إيجابي على حوالات المغتربين التي ستتدفق عبر القنوات الرسمية بدلا من أن تذهب إلى جيوب المضاربين وتجار السوق السوداء.

بينما أبدى سامر صوفي مدير غرفة تجارة وصناعة اللاذقية خشيته من أن يسهم القرار برفع سعر الصرف في السوق السوداء كرد على إجراءات المركزي، ما يعني – في حال عدم التشدد بضبط الأسعار –  أن الأسعار سترتفع لأن الصناعي يحصل على القطع بسعر السوق السوداء لا بسعر المركزي.

قرار المركزي بحسب رؤية الباحثة الاقتصادية والوزيرة السابقة لمياء عاصي يعبر عن تحول كبير في سياسة المصرف تجاه الحوالات الخارجية التي بقيت لسنوات طويلة , يضع لها سعراً يساوي السعر الرسمي , ولم يكن مفهوما , لماذا  يضحي المركزي بعائدات كثيرة من العملات الأجنبية ويعطيها لمكاتب الصرافة أو للسوق السوداء، إذ قدرت الحوالات الأجنبية بمعدل ستة ملايين دولار يوميا, ومن المأمول أن يكون انعكاس ذلك, المزيد من حيازة المركزي على العملة الأجنبية , وبالتالي السيطرة على السوق بشكل أكبر.

ولكن, عادة في خطوات من هذا النوع بحسب عاصي, لن نلمس آثار تلك القرارات  فورا , بل تحتاج السوق إلى  فترة لتتوازن أكثر وقد نبدأ بتلمس آثار أو انعكاسات ذلك  بعد مدة تصل إلى شهور قليلة , هذا إذا لم يحصل ارتداد كبير وارتفاع في أسعار الصرف من السوق السوداء كنوع من الدفاع عن مصالحها , لذلك سيتطلب الموضوع من المركزي الثبات على سياسته الجديدة برغم الارتدادات , وتعديل تسعيرته لتبقى متوائمة مع التغيرات في سعر الصرف.

ويرى الخبير في الشؤون المصرفية عامر شهدا في حديثه لـ«تشرين» أن قرار المصرف المركزي برفع سعر صرف الدولار إلى 6650 ليرة هو اعتراف علني بأسعار صرف السوق الموازية، ولكن على الجانب الآخر اعتبره شهدا قراراً جيداً، ويمكن أن يدفع باتجاه تحقيق موارد جيدة بالقطع الأجنبي، وتالياً الخروج من موضوع المنصة التي تسببت برفع الأسعار بنسبة 25%.

وبالوقت نفسه بحسب تحليل شهدا، فنحن نعلم اليوم بأن حوالات الأفراد تشكل62% من مجموع الحوالات الواردة إلى سورية، وهذا يشكل كتلة نقدية كبيرة تؤثر على مسألة التمويل، وكذلك على سعر الصرف، وفي هذه الحالة ينبغي على المواطن التوجه لبيع الدولار لدى المصارف، مؤكداً أن هناك خطوات أخرى ستلي هذه الخطوة، معتقداً أن هناك خطوة بنقل إدارة ملف الاستيراد والتصدير ليصبح بيد المصارف العامة والخاصة، لافتاً إلى أن هناك توجيهاً صدر للمصارف بإعادة العلاقة مع المراسلين وشراء الحوالات، وهذا يعني نقل ملف إدارة الاستيراد والتصدير من المنصة إلى الأقنية الأساسية والصحيحة، وتالياً تفعيل دور المصارف في السوق الاقتصادية المحلية.

وفيما يتعلق بالسعر الوارد في النشرة والمحدد بـ 6650 ليرة، هو سعر توازني برأي شهدا، فاليوم إذا ما أخذنا التضخم الحاصل في البلد وكذلك التضخم العالمي، وأسعار العملات والقرار الأخير للولايات المتحدة الأميركية برفع الفوائد بنسبة 25% بعين الاعتبار، فهذا يعني وجود تضخم كبير يعاني منه الاقتصاد الأمريكي، وتالياً سينعكس بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، أما سورية، ورغم جميع القرارات التي تصدر فما تزال صامدة والدولة قوية وتستطيع التحكم بالأسواق وكذلك التحكم بالكتلة النقدية المتداولة في السوق، معتبراً أن القرار بشراء القطع سيؤدي إلى طرح المزيد من العملة السورية في الأسواق، لذلك لا بد من اتخاذ إجراء مقابل لامتصاص الكتلة النقدية التي ستفيض عن الكتلة المتداولة في الأسواق.

ولفت شهدا إلى أن المسؤولية الملقاة على عاتق الإعلام السوري في هذه المرحلة، تكمن في مدى تسويق القرار، وتوجيه الرأي العام لكي يتفهم هذه القرارات التي ستخدم حتماً مستقبل الاقتصاد السوري، الذي يعاني اليوم من تراكمات قديمة وعقوبات وقرارات عشوائية تم اتخاذها على عجالة من دون دراسة، ولكن ما يصدر اليوم من قرارات، ليس من باب الإبداع، ولكنه عملية لتصحيح أخطاء سابقة، فعلى سبيل المثال قرار البيوع العقارية فهو قرار ليس متغيراً بالنسبة للأموال المسحوبة، حتى قرار نقل الأموال عبر المحافظات، فهي قرارات موجودة ولكن أُخذ سعر الصرف بعين الاعتبار، لذلك ارتفعت المبالغ،  ففي السابق كانت الأموال المنقولة بصحبة مسافر تعادل 2000 دولار، واليوم تعادل المبلغ نفسه، والأمر ينطبق على الأموال المسموح بسحبها يومياً من المصارف، فالمسألة برمتها اليوم تدور حول كيفية التخفيف من التضخم، طبعاً توجد أفكار والمفترض أن يتم طرحها للنقاش، إذ ليس من الضروري أن نعتمد على حوالات الأفراد، المهم خلق أقنية تحقق موارد قطع مستدامة، وفي الجهة المقابلة خلق أقنية تحقق سحب الكتلة النقدية الفائضة عن التداول في الأسواق، وهذا يعني ضرورة وجود توازن بين طرفي المعادلة، وهذا التوازن يمكن خلقه والحلول موجودة.

وفي المقابل رأى شهدا أن الحالة اليوم تتطلب أفكاراً إبداعية تحقق موارد وتخدم المواطن وأي قرار يُتخذ، يجب ألا يمس بالتكلفة وارتفاع الأسعار، وفي الوقت نفسه يجب أن يكون مرحباً به اجتماعياً، وهذا الأمر متاح، والمطلوب اليوم من المواطن أن يصبر قليلاً ولا يأخذ المسائل بالمنحى السلبي بل بالمنحى الإيجابي، فهذه القرارات تحتاج إلى وقت سابق كونها عملية تصحيح لقرارات سابقة دفعنا ثمنها.
من جانبه يؤكد الباحث الاقتصادي  فاخر القربي أن مثل هذا القرار يحقق نوعاً من الاستقرار  في سعر صرف القطع الأجنبي بالسوق من جهة، ويحقق عملية توازن تسمح في جذب هذا القطع الذي يتم تحويله من الخارج
كما هو حالة تشجيعية لعمليات التحويل التي تجري من الخارج فضلا عن أنه  يشكل فضاء أوسع للمحافظة على القطع الأجنبي المحوّل بدلاً من ذهابه إلى السوق السوداء.
وأضاف إنه سيكون لهذا  القرار منعكسات سلبية أهمها تعدد أسعار الصرف وجعل التاجر يقيّم بضائعه على أساس السعر الأعلى للقطع الأجنبي وبالأخص بالنسبة للبضائع المستوردة، وهذا يجعلنا ضمن أرجحة تسعيرية بين أيادي التجار وتجعلنا ضحية ارتفاع الأسعار تحت مسمى ارتفاع أسعار  الصرف.
وختم إنه من المهم توحيد سعر الصرف بدلاً من تعدد أسعار الصرف ما يحقق حالة استقرار في أسعار الصرف والبضائع معاً ويجعل المواطن بحالة ثقة أكبر بالأسعار بالنسبة للصرف والتسعير الإنتاجي، ويبعدنا بقدر كبير عن أسعار السوق السوداء التي سوف تبقى سيدة الموقف في حال استمرار حالة تعدد أسعار الصرف وما ينعكس عنه من تسعير للمنتجات في الأسواق
ومن جهته عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق ياسر أكريم  وصف  قرار المركزي  بأنه خطوة بالاتجاه الصحيح ويساهم  بتوجيه الأسعار نحو الاستقرار إضافة إلى مساهمته  بتعزيز دخول رؤوس الأموال إلى البلد .

تشرين

شارك