النظام الضريبي في سورية.. هل لا يزال صالحاً؟ …

النظام الضريبي في سورية.. هل لا يزال صالحاً؟ … العدي : عمره 70 عاماً ومن غير الممكن وجود قانون صالح لكل زمان ومكان

في الوقت الذي يعتبر فيه الكثير من الباحثين أن النظام الضريبي في سورية قاصر عن تحقيق إيرادات كبيرة للحكومة في ظل العجز الكبير الموجود لدى الموازنة العامة للدولة، يشكو التجار وأصحاب الأعمال من ارتفاع قيم الضرائب المفروضة عليهم، فما واقع النظام الضريبي اليوم؟ وما حال التهرب الضريبي الذي حاولت وزارة المالية معالجته قبل سنوات من خلال مشروع الإصلاح الضريبي؟

وصف الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور إبراهيم العدي القوانين الضريبية المعمول بها في سورية بأنها لا تلائم الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، لكونها عبارة عن مرسوم صدر منذ أكثر من 70 سنة ولا يزال مطبقاً حتى الآن في مضمونه، إذ يجب أن تكون القوانين ديناميكية تتغير مع تبدل الزمان لأنها مرتبطة بمراحل زمنية معينة، فمن غير الممكن وجود قانون ضريبي صالح لكل زمان ومكان كما هي الحال في سورية.

وكشف العدي في تصريح خاص لـ«الوطن» عن وجود لجنة مشكّلة لتطوير النظام الضريبي في سورية برئاسة وزير المالية وتضم عدداً من الأكاديميين والخبراء، وتهدف إلى إيجاد نظام جديد، لافتاً إلى وجود قناعة لدى الجميع بأن النظام الضريبي غير ملائم وغير مواكب، والمشكلة أن اللجنة ترى أن الحل هو إلغاء النظام الضريبي المعمول به في سورية وتفكر في ذلك، لذا ستكون هناك حتماً بدائل لهذا النظام، من خلال الاستعانة بنماذج مطبقة في دول أخرى بحيث ينسجم مع الأنظمة الضريبية الموجودة فيها، لأن النظام الضريبي السوري تخلت عنه كل دول العالم.

وحول البدائل التي سيتم وضعها في النظام الضريبي الجديد، بيّن العدي أنه سيتم فرض ضريبة على الإنفاق أو ضريبة القيمة المضافة أو المبيعات، وهذا الأمر يحتاج إلى إيجاد ظروف معينة وآلية محددة، إضافة إلى ضرورة وجود وعي لدى المكلفين والعاملين في وزارة المالية والمواطنين، وخاصة أن المواطنين يشتكون أو لا يشتكون، لذا من الضروري اتباع نظام الفوترة للحد من الغلاء وضبط الأسعار والمبيعات والمشتريات، لفرض ضريبة صحيحة مبنية على المستندات، وهذا يتطلب تضافراً من الأجهزة الحكومية والمواطنين من أجل تطبيق ذلك، لافتاً إلى أن وزارة المالية جادة في تطوير هذا النظام بما ينعكس إيجاباً على الإيرادات العامة، لأن الضريبة هي المورد الأساسي المالي للدولة، ولذلك يشكو المواطنون من الرسوم نتيجة العجز في تحصيل الضرائب فتلجأ الجهات المعنية إلى الرسوم الأخرى كرسم جواز السفر والرسوم الأخرى التي يتم رفعها بشكل كبير لأن المواطن يضطر لدفعها والتهرب منها غير وارد، على عكس الضرائب التي يتم التهرب منها على أوسع نطاق، فسورية تعد من أكثر دول العالم في ذلك، فقد كان التهرب فيها قبل الأزمة يزيد على التهرب الضريبي في مصر بنسبة 100 بالمئة.

وحول المشكلات التي يعاني منها النظام الضريبي الحالي، أشار العدي إلى أنها تتمثل في التشريعات والفهم والتعديلات، واصفاً إياها بغابة من التشريعات المتداخلة التي تؤدي إلى سوء الفهم سواء من المكلفين ضريبياً أم العاملين في وزارة المالية والدارسين والمدرسين في هذا المجال، الأمر الذي يخلق ضرائب غير عادلة وتهرباً ضريبياً، لافتاً إلى أن الربط الإلكتروني الذي تقوم به وزارة المالية يعد خطوة رائدة لكونه محاولة لضبط المبيعات، ومع ذلك هناك حالات تهرب كبيرة من هذا الربط بحيث لا يتم إدخال كل عمليات البيع في الجهاز.

وفي السياق، اعتبر الدكتور العدي أن مشروع الإصلاح الضريبي يعاني من بطء كبير، إضافة إلى وجود أشخاص كثر من أعداء التغيير وهم مستفيدون من فساد النظام الضريبي، وبالتالي فإن تغييره يتعارض مع مصالح كبار التجار والصناعيين، لأن النظام الحالي يفتت الدخل وبالتالي يفتت الضريبة، والواقع بحاجة إلى نظام ضريبي يجمّع الدخل لتجميع الضريبة، موضحاً: «ففي حال كان أحد رجال الأعمال يمتلك 50 منشأة اقتصادية يتم احتساب ضرائب لكل منشأة على حدة ما يؤدي إلى مزيد من التلاعب والتهرب، في الوقت الذي يتم فيه جمع كل هذه المنشآت لدى مكلف واحد في الدول الأخرى، وبالطبع هذا الأمر أفضل لكون الضريبة التصاعدية تنعكس إيجاباً على الموازنة العامة للدولة وعلى العجز المالي».

من جانبه، رأى عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق محمد الحلاق في تصريح لـ«الوطن»، أن المشكلة لا تكمن في النظام الضريبي والنسب الضريبية فحسب، وإنما تتمثل في المعايير المتبعة في هذا النظام والآليات التي لا تتوافق مع بقية التشريعات، ففي عملية استيراد المواد الغذائية على سبيل المثال لا تعترف وزارة المالية بالنفقات عند احتساب الضرائب، وإنما بالمبيعات والمشتريات فقط، موضحاً أن هذه النفقات عالية جداً وتشكل هوامش مرتفعة في الأعمال، وخاصة أن آليات التسعير في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لا تسمح بأرباح تفوق الـ6 بالمئة، علماً أن هذه النسبة لا تغطي النفقات والأعباء، إضافة إلى أن دوائر المالية تحصّل ضريبة الدخل بشكل مسبق عند الاستيراد بنسبة 4 بالمئة من قيمة إجازة الاستيراد الكلية، علماً أن قيمة المبلغ تكون كبيرة جداً وتفوق نسبة الربح المسموح بها، وهذا الأمر لا تنظر إليه وزارة التجارة الداخلية عند التسعير، إذاً الخلل يكمن في عدم تناسق وتناغم التشريعات بين بعضها بعضاً، وعدم وجود خط واضح متفق عليه بين جميع الدوائر المتعلقة بالشأن الاقتصادي يسمح للمستورد بالتفكير والعمل بشكل صحيح.

وأشار الحلاق إلى ضرورة تعديل التشريعات المرتبطة بالنظام الضريبي كي يكون صحيحاً، لافتاً إلى أن انخفاض النسب الضريبية من شأنه تخفيض التهرب الضريبي بالنسبة للأعمال المشروعة، متابعاً: «يعتقد الكثير من الأشخاص أن قطاع الأعمال غير مقتنع بتسديد الضرائب، وهذه الفكرة خاطئة، لكن المطلوب إشراك قطاع الأعمال بكل مجال من مجالاته مع الدوائر المعنية بالاقتصاد للخروج بحلول منطقية، فعندما فكرت الحكومة بتعديل النظام الضريبي تم تشكيل لجان من خارج قطاع الأعمال».

الوطن

شارك