هل قوننة مولدات الأمبيرات مدخل لخصخصة قطاع الكهرباء..؟!

وما بدا حالة استثنائية ريثما تتصدّى وزارة الكهرباء لمهمة إعادة ترميم محطات التوليد المخربة وبناء محطات جديدة تؤمّن حاجة العاصمة الاقتصادية لسورية من الطاقة، تحوّلت سريعاً إلى ظاهرة انتشرت في محافظات أخرى، بل تحوّلت، بعد انسداد الأفق بحلول جذرية لأزمة الطاقة، إلى حلّ دائم لتأمين الساعات الكافية واللازمة من الكهرباء الضرورية للفعاليات الإنتاجية والخدمية ولجميع الحرف والمهن، بالإضافة إلى إنارة المنازل لمن يقوى على دفع ثمنها المكلف جداً!.

وبعد أن اعترف كتاب رئاسة مجلس الوزراء خطياً بأن مولدات الأمبيرات نظامية وطلب من المحافظين ضبط المخالفين لتعليمات وشروط تشغيلها واستثمارها، وبعد تشجيع الحكومة للفعاليات الصناعية والخدمية باللجوء إلى الطاقات البديلة فإن السؤال المطروح سراً وعلناً: هل قوننة مولدات الأمبيرات هي المدخل لخصخصة قطاع الكهرباء؟.

 في عام 1991

لقد أجابت حكومة تسعينيات القرن الماضي على هذا السؤال منذ صدور قانون الاستثمار رقم /10/ لعام 1991، وتحديداً بعد ما ابتدع وزير الاقتصاد فيها الدكتور محمد العمادي مصطلح (خصخصة القطاعات)، وكان المقصود بهذا المصطلح، ولا يزال سارياً بل وتطور أكثر، ليس بيع شركات القطاع العام، وإنما السماح للقطاع الخاص بالاستثمار في القطاعات التي كانت حتى عام 1991 حكراً على القطاع العام.

ومع أن رجال أعمال سوريين وعرب حصلوا على تراخيص إنشاء في قطاع توليد الكهرباء فإنها لم تنفذ بفعل الخلاف على استثمارها وأسعار مبيع الكيلو وات ساعي للمستهلكين. وجاء قانون التشاركية ليعزّز خصخصة القطاعات الحكومية من خلال استثمار شركاتها من القطاع الخاص السوري والأجنبي، لكن لا يزال قطاع الكهرباء غير مغرٍ للمستثمرين، ليس لكونه غير مربح، ولكن بسبب الشروط التي أراد المستثمرون فرضها على الحكومات المتعاقبة، ولم تكن أي حكومة مستعدة للقبول بها حتى الآن لأسباب مختلفة.

والسؤال: هل أزمة الكهرباء التي لا حلول لها في الأمد القريب، ستدفع بالحكومة لقوننة مولدات الأمبيرات أكثر فأكثر، كأن تصدر قانوناً يشرعنها بدلاً من قرارات تصدر عن المحافظين، وبالتالي تكون المدخل الحتمي لخصخصة قطاع الكهرباء وفق شروط القطاع الخاص؟.

السؤال المهم جداً

لفتنا ما جاء في تعميم رئاسة مجلس الوزراء بتاريخ 23/6/2023 الذي أكد على (مخالفة من يقوم بممارسة بيع الطاقة الكهربائية المولدة من مجموعات الديزل والبيع للمواطنين (الأمبيرات) دون إذن من الوحدة الإدارية والسيد المحافظ ودون أسس ومعايير معتمدة)، فتوقيت التعميم مثل مناقشة ظاهرة الأمبيرات في جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 20/6/2023 لم يكن ردة فعل على حدث مستجد، لأن الأمبيرات منتشرة، وخاصة في مدينة حلب منذ سنوات خلال حصارها وبعد تحريرها، بل لا يمكن للمحافظين أن يسمحوا بمولدات الأمبيرات، وتنظيم عملها وتسهيل حصولها على المحروقات لتشغيلها وتحديد سعر الكيلو وات ساعي دون موافقة خطية أو شفوية من رئاسة مجلس الوزراء، وكل قول آخر ليس دقيقاً، فظاهرة الأمبيرات تحولت بقرارات من المحافظين إلى واقع، وفات الآوان على منعها لأن مثل هكذا قرار سيشلّ الحياة الاقتصادية والإنتاجية والخدمية ويغلق آلاف الورشات والمهن… إلخ.

والسؤال الآخر المهمّ للحكومة: هل مولدات الأمبيرات قانونية ومسموح الاستثمار فيها من قبل القطاع الخاص؟.. والسؤال الأهم والذي لم يطرحه أحد: لماذا غضّت الحكومة النظر عن قرارات المحافظين التي شرعنت الأمبيرات؟.

وفي الوقت الذي كانت تكرر وزارة الكهرباء أن الأمبيرات غير قانونية ولم تُرخص لها فقد تصدّى المحافظون لهذه المهمة فقاموا بقوننتها استجابة لمطالب التجار والصناعيين وأرباب المهن والحرف على مختلف مسمياتها، ولولا الأمبيرات لكانت حلب عاصمة سورية الاقتصادية مشلولة تماماً.

حسناً، لنطرح السؤال الأكثر أهمية: ما خطط الحكومة القادمة للاستغناء عن الأمبيرات في القادم من السنوات؟..

بالتشاركية.. أم بزيادة الاستثمارات؟

إذا استعرضنا واقع الطاقة في سورية، ليس خلال سنوات الحرب، وإنما بعد صدور قانون الاستثمار عام 1991 سنكتشف بسهولة أن أزمة الكهرباء استمرت دون توقف، تنخفض حدتها حيناً، لكنها بقيت تشكل أزمة خانقة في أغلب السنوات تؤثر على البلاد والعباد، ومن يعود إلى أرشيف الصحافة السورية سيكتشف أننا لم نشهد انفراجات واسعة في هذه الأزمة إلا لفترات محدودة جداً. وبدا واضحاً أن الحكومات المتعاقبة منذ تسعينيات القرن الماضي كانت تراهن أو تُعوّل على القطاع الخاص للاستثمار بمشاريع توليد الكهرباء، لكن هذا القطاع خذلها، واعتقدت هذه الحكومات بأن قانون التشاركية المطروح للتداول منذ حكومة اقتصاد السوق (2003- 2010) سيحلّ الأزمة من خلال عرض محطات التوليد للاستثمار من قبل القطاع الخاص، صحيح أن الأمر لم يُطرح مباشرة حتى الآن، ولكن من يوافق على استثمار شركات كبرى كالأسمدة ومرفأ طرطوس والإسمنت لن يتردّد بالموافقة في حال تقدمت شركات محلية أو بالاتفاق مع شركات عربية أو صديقة بعروض لإعادة تأهيل واستثمار محطة توليد أو أكثر.

والملفت أن القطاع الخاص لايزال متردداً بل ويرفض الاستثمار في الشركات العامة التي تندرج في قائمة الصناعات الثقيلة والإستراتيجية، على الرغم من الإغراءات الكثيرة التي ترى الحكومة أنها وفرتها في قانون التشاركية الجديد، والذريعة لدى القطاع الخاص أن هذا القانون بحاجة إلى تعديلات جذرية كي يصبح قابلاً للتطبيق، وقد يكون هذا القطاع أساساً لا يريد الدخول في شراكة مع الحكومة بأي مشاريع مهمة، لأنه تعوّد الاستثمار في مشاريع دون أي شراكة مع أحد، سواء من الحكومة أو مع أبناء الكار!.

الرهان مستمر

وتعدّ ظاهرة الأمبيرات المثال على عدم رغبة المستثمرين بمشاركة أي جهة حكومية في مشاريع توليد الكهرباء، بدليل أنهم لم يطرحوا الموضوع أساساً على وزارة الكهرباء. وبالمقابل فإن وزارة الكهرباء لا تزال تراهن على القطاع الخاص سواء بإقامة محطات توليد أو بمشاريع الطاقة المتجددة، كما حدث مؤخراً بمشروع استثمار 38 مليار طن سجيل زيتي لتوليد الكهرباء.

نعم، هذه الثروة ليست جديدة، بل تعود لتسعينيات القرن الماضي، ومع ذلك لم تتحرك وزارة النفط أو الكهرباء لاستثمارها، وها هي الحكومة تطرح خامات السجيل الزيتي على المستثمرين العرب، علماً أن بعض الشركات المتخصصة قامت بإنتاج النفط من هذه الصخور في بداية الثمانينيات بطاقة تراوحت بين 1955 برميلاً إلى 14360 برميلاً.

ومع أن مؤسسة الجيولوجيا بوزارة النفط أكدت (أن حرق السجيل الزّيتي لإنتاج الطاقة الكهربائية عملية اقتصاديّة ونتائجها واضحة ويمكن أن تكفي لسد جزء من حاجة المنطقة الجنوبية) لكن لا يزال استثمار هذه الخامات مطروحاً على القطاع الخاص، ولم يصدر قرار باستثمارها لحساب وزارة الكهرباء.

الخلاصة: بعد إعلان وزارة الكهرباء أنها تستعد لرفع تعرفة الاستهلاك، وبعد موافقة رئاسة الحكومة على قوننة مولدات الأمبيرات، وبعد التشجيع على مشاريع الطاقات البديلة وفوضى تجهيزاتها في الأسواق، وبعد غياب أي رؤية لانفراج قريب أو بعيد في أزمة الكهرباء يصبح السؤال مشروعاً: هل قوننة مولدات الأمبيرات هي المدخل لخصخصة قطاع الكهرباء وفق قانون التشاركية؟!.

البعث  علي عبود

شارك