الاقتصادات الآسيوية في ظل تراجع الدولار

خفضت وكالة التصنيف العالمية فيتش التصنيف الائتماني الأعلى للحكومة الأمريكية يوم الثلاثاء في 1 آب الجاري من “AAA ” إلى” AA + ” فقد توقعت وكالة فيتش حدوث تدهور مالي على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وتكررت مفاوضات الحد من سقف الديون، التي تهدد قدرة الحكومة على سداد فواتيرها.

هذه هي ثاني وكالة تصنيف كبرى (بعد ستاندرد آند بورز، Standard & Poor’s) تجرد الولايات المتحدة من تصنيفها A-A، وهناك أسئلة جادة وشرعية يجب طرحها حول مسار الدولار على المدى الطويل.
لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالمستقبل، لكن التاريخ يعلمنا بشكل لا لبس فيه أن لا شيء يدوم إلى الأبد، فقد جاءت عملات الاحتياطيات العالمية وذهبت من قبل وليس من المستبعد أن يحدث هذا مرة أخرى.
في الواقع، نشهد أن العالم قد بدأ فعلياً في التحول بعيداً عن النظام المالي الذي يهيمن عليه الدولار.
ومن بين الأسباب الأخرى أن المستويات الفلكية للديون، والكم الهائل من طباعة النقود اليائسة لتسييل هذه الديون، تسببت في انخفاض كبير في قيمة العملة على المدى الطويل.
من ناحية أخرى، يعتبر النفط أحد أهم السلع وأكثرها تداولاً في العالم، وقد تم تسعيره وتداوله تقليدياً بالدولار الأمريكي الذي مُنح دوراً مهيمناً في الأسواق المالية العالمية، حيث يتعين على الدول التي ترغب في شراء النفط أن تحصل أولاً على دولارات أمريكية للقيام بذلك.
إذا تحول تداول النفط بعيداً عن الدولار الأمريكي، فسيؤدي ذلك إلى تقليل الطلب على العملة بشكل كبير، مما سيؤدي إلى انخفاض قيمة العملة الأمريكية وهيمنتها، وقد ينعكس هذا التحول بشكل إيجابي على الاقتصادات الآسيوية.
وباعتبارها المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان والأكثر تنوعاً اقتصادياً في العالم، ستستفيد الدول الآسيوية من انخفاض الاعتماد على العملة الخضراء، ما سيسمح بمزيد من المرونة في تحديد سياساتهم النقدية.
في الوقت الحالي، يتعين على العديد من الدول الآسيوية، بما في ذلك الصين، أن تأخذ في الاعتبار إجراءات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي عند تحديد أسعار الفائدة وإجراءات السياسة النقدية الخاصة بها.
ومن شأن انخفاض الاعتماد على الدولار أن يمكّنهم من تنفيذ سياسات أكثر ملاءمة لظروفهم الاقتصادية المحلية، ما قد يعزز الاستقرار والنمو.
ومع فقدان الدولار لسيطرته، من المحتمل أيضاً أن تشهد الاقتصادات الآسيوية تنوعاً في العملات الاحتياطية، ما يمهد الطريق لمزيد من التجارة الإقليمية وفرص الاستثمار.
كما أنه من شأن نظام العملة متعدد الأطراف أن يعزز الاستخدام المكثف للعملات الإقليمية مثل الين الياباني واليوان الصيني والروبية الهندية، ما يجعل التجارة داخل آسيا أكثر سهولة وكفاءة. وهذا بدوره سيعزز التعاون الاقتصادي داخل المنطقة ويقلل من المخاطر المرتبطة بالتعرض لعملة واحدة مهيمنة.
لطالما واجهت آسيا تحديات بسبب تقلبات الدولار أيضاً، الأمر الذي أثر  سلباً على موازينها التجارية وتدفقات رأس المال، لذلك فإن تراجع هيمنة الدولار من شأنه أن يؤدي إلى أسعار صرف أكثر استقراراً، ما يقلل التقلب وعدم اليقين في المعاملات عبر الحدود.
ونتيجة لذلك، يمكن للشركات الآسيوية التخطيط والاستثمار بثقة أكبر، ما يؤدي إلى تعزيز النمو الاقتصادي والاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، أدى الوضع المهيمن للدولار في كثير من الأحيان إلى قيام الاقتصادات الآسيوية بتكديس احتياطيات كبيرة من العملات الأجنبية، بالدولار بشكل أساسي، كإجراء احترازي. ومع ذلك، فإن هذه الممارسة تأتي مع تكلفة الفرصة البديلة، حيث يمكن استثمار هذه الاحتياطيات في مشاريع محلية أو عملات أخرى ذات عوائد أعلى.
ومن شأن تراجع هيمنة الدولار أن يشجع البلدان الآسيوية على تنويع احتياطياتها، ما يؤدي إلى تخصيص أفضل للموارد وزيادة الاستثمار في القطاعات الإنتاجية.
أتوقع أنه نظراً لأن العالم يصبح أكثر ترابطاً ومتعدد الأقطاب، فإن تبني نظام عملات أكثر تنوعاً وتوازناً يمكن أن يكون مفتاحاً مهماً لإطلاق الإمكانات الكاملة للاقتصادات الديناميكية في آسيا.
المصدر – آسيا تايمز

شارك