رغم أهمّيته.. هل البيئة المصرفية مهيّأة فعلاً لخيار الدفع الإلكتروني؟

مع إعلان مصرف سورية المركزي عن إطلاق خدمة الدفع الإلكتروني في المحطات الحكومية العائدة لشركة محروقات، ضمن ما سمّي سياسة تشجيع التعامل المصرفي ونشر الدفع الإلكتروني في القطاعات المهمّة والحيوية، حيث عمل المصرف التجاري السوري على تركيب أجهزة نقاط البيع (pos) في محطات الوقود، وكذلك مع توجّه جميع المصارف فعلياً إلى تقديم خدمة تسديد الفواتير والازدحامات الكبيرة الناتجة عن ذلك، في الوقت الذي تراجعت فيه حركة الإيداع نتيجة التعقيدات الكبيرة التي تقف بوجه المودعين، يتساءل المرء: ما فائدة القوانين التي تم سنّها لإلزام الناس بإيداع مبالغ مالية وفتح حسابات بنكية وغيرها، لإتمام عمليات البيع والشراء، إذا كان سيتم تأخير هذه المعاملات من خلال تقنين عملية السحب، وبالتالي عرقلة البيوع ومن ورائها مصالح الناس؟ وما هي العمولات التي ستحصل عليها المصارف من خلال هذا الإجراء؟ ولماذا يتم وضع عمولات على كل المعاملات البنكية؟ أليس من الأجدى أن نطوّر نظامنا المصرفي لنقنع العالم بأن لدينا أنموذجاً مصرفياً فريداً؟ ألا يوحي كل ذلك بأن المصارف قصرت عملها على الجباية، وابتعدت عن دورها الأساسي في صناعة السياسات المالية؟ أليس من الأولى استدراج الناس لإيداع مدّخراتهم في البنوك واستخدامها في مشاريع تنموية تعود بالفائدة على الدولة؟

هذه الأسئلة وغيرها طرحتها “البعث” على استشاري التدريب والتطوير، عبد الرحمن تيشوري، الذي أكد أن خدمة الدفع الإلكتروني المستحدثة من أجل تعبئة المحروقات بشكل عام جاءت في الاتجاه الصحيح، إذ إن مسألة التحوّل من الإدارة التقليدية الورقية المترهّلة والسقيمة والعقيمة، لأنها لم تحلّ أية مشكلة، إلى الإدارة الإلكترونية والدفع الإلكتروني موضوع مهم جداً ويحقق الكثير من المزايا التي تساعد على الحدّ من الفساد الإداري والترهّل والطوابير وتقلّل من الآثار السلبية على المجتمع السوري والأفراد، أو المتعاملين بشكل عام، لأن مثل هذا الإجراء يمكن أن يحل الكثير من مشكلات الحكومة السورية المزمنة، والتي يزيد عمرها على ثلاثين عاماً، وبالتالي الارتقاء بخدمة العملاء، ما يؤدّي إلى تقليل تأثير العلاقات الشخصية في إنجاز الأعمال، وممن ثمّ التقليل من المخالفات.

وأشار تيشوري إلى أنه يجب أوّلاً توفير الكهرباء بشكل مستمر وقواعد البيانات والربط الشبكي، ولا بد من وجود موظفين لديهم الصلاحية والختم والفهم في أماكن قريبة من المواطنين، أو أصحاب محطات الوقود، مشدّداً على أن هذا الموضوع تمّ طرحه منذ زمن طويل، ولكنه لم يؤتِ أيّة نتائج على أرض الواقع.

وأضاف تيشوري: طبعاً أية عملية دفع إلكتروني وفق تكنولوجيا المعلومات والهواتف الذكية أو الكمبيوترات مهمّة جدّاً وغايتها تسهيل عملية الدفع، لأن ثمن طلب المحروقات حالياً يفوق مئة مليون ليرة، أو ربّما أكثر، وبالتالي حمل النقود والفئات النقدية يشكّل مشكلة في الدفع، والدفع الإلكتروني يسهّل عملية الدفع، ويقدّم فائدة للبنوك من خلال العمولات.

تيشوري أشار إلى أن العمولات يجب ألا يتم فرضها على جميع العمليات البنكية، فعند الإيداع لا ينبغي أن توضع عمولات، لأن هذا الأمر يحوّل البنوك إلى دور جباية، وهذه الذهنية غير موجودة لدى دول العالم، فالبنك عبارة عن مكان لإعادة تدوير النقود وضخّها في العملية الاقتصادية التنموية، ويجب على البنوك أن تؤدّي دوراً في تطبيق السياسة المالية والنقدية، وبالتالي إعادة تدوير المال وإقراضه بفوائد سهلة وميسّرة لأغراض تنموية، فالسياسة المصرفية وسياسة الإقراض والتسليف القائمة الآن هي نفسها في زمن الحرب وزمن السلم، الأمر الذي يصيبنا أحياناً بالجنون، وقد تحدث السيد الرئيس بشار الأسد منذ نحو عشرين عاماً عن تطوير الإدارة والمشاريع الصغيرة والإقراض وإيجاد تشريعات خاصة به، واستضاف مؤخراً مجموعة من خبراء الاقتصاد وأساتذته وتحدّث معهم حول الاقتصاد والتنمية وجميع هذه المسائل التي نعانيها حالياً.

ولفت تيشوري إلى أنه عندما يذهب المواطن إلى البنك، ويبقى ساعة أو ساعتين للحصول على الخدمة، ويدفع عمولات على ذلك، سيؤدّي به ذلك إلى الابتعاد عن البنك وعدم وضع مدّخراته، مع العلم أن المواطن الآن لا يستطيع أن يدّخر، فإذا كان الراتب 300 ألف ليرة والإنفاق 3 ملايين، أي أن الفجوة 3 إلى عشرة، فإن المواطن لا يستطيع أن يدّخر، ونحن دائماً كاقتصاديين وإداريين نقترح زيادة الرواتب والأجور بحيث توفّر متطلبات العيش الكريم، فالحد الأدنى للرواتب الآن يجب أن يكون 2 مليون ليرة سورية، لأن خط الفقر العالمي هو 2 دولار باليوم، فالشخص يحتاج إلى 60 دولاراً شهرياً، أي ما يعادل 1.5 مليون ليرة، وعدد أفراد الأسرة من 4 إلى 5، فخط الفقر إذن هو 4 إلى 5 ملايين ليرة، فلذلك الرواتب الآن ضعيفة وهزيلة وطاردة للكفاءات، ويجب معالجتها سريعاً لأنه لن يتبقَّى في سورية كوادر إذا بقيت سياسة الرواتب والأجور الحالية، والكثير من الكفاءات هُجّرت أو هاجرت لأنه لا يمكن لها أن تعمل بـ300 ألف ليرة سورية، لذلك يجب تعديل هذه السياسات فوراً.

وختم تيشوري بالقول: اليوم واقع المصارف والخدمات والدفع الإلكتروني بائس جداً، وهناك حالة من عدم الرضا وانعدام الثقة بالخدمات التي تقدّمها الوزارات والإدارات والدوائر الحكومية، كما أن هناك هدراً كبيراً في الموارد المالية وهدراً في الوقت وضياعاً في البيانات، ولا توجد وثوقية في المعلومات، وبشكل عام نحن بحاجة إلى ذهنية جديدة وعمل مؤسساتي وقواعد بيانات وكهرباء دائمة وأمن معلومات وموظفين مؤهّلين لديهم الخبرة حتى نحصل على خدمات إلكترونية حقيقية، وبالتالي نقلل من المشكلات الإدارية التي تعاني منها مؤسساتنا.

البعث

شارك